الأرض والذاكرة

في ذكرى ميلاد القائد الكبير جمال عبد الناصر

الناصرية..قيم لا تستنفد

إنها الثالثة والثمانون، الذكرى التي لم تأفل شمسها، أو تطوى مع الماضي، دليلاً للذاكرة، وانكساراً للنسيان، ذكرى ميلاد واحد من رجالات القرن العشرين الأفذاذ وشهوده العظام،  شهودية لا تستنفد ويكاد حبر الماضي أكثر مقاومة للجفاف،  مخبوء ولكن بأمان…

فارس من فرسان الوحدة العربية، بل داعيتها الصلب والعنيد.

وذكرى ميلاد جمال عبد الناصر تستحضر مدرسة رائدة في الوطنية والقومية وإدارة الصراع التاريخي، مع المستعمرين والغزاة، ميلاد لشخصية مصر العربية وهويتها وانتمائها القومي ومفردات ذلك الانتماء الراسخة حقاً في التاريخ والجغرافيا في آن معاً.

بيد ان استدعاء الذكرى في لحظة كهذه، حيث انتفاضة الأقصى، انتفاضة فلسطين ترقى لعناوين الصراع المفتوح ودلالاته، وأكثر من ذلك، تلك الرؤية الناصرية لقضية فلسطين، قضية العرب الأولى، فثمة تجربة لا يستعيدها حبر الحقيقة إلا ليحيلها إلى وعي طليق، يأخذها من ظلال الذكرى لبوابة الذاكرة العربية، ويضعها على شرفاتها العالية، وينتفض جمرها المكتنز فيعود للمشهد وهجه، ويتجاوز الصدى المتشظي، ليعود منه بالصوت، وبشغف يستعيد الصورة نضرة ليأخذ بقية من حوارها..

والحال أن جمال عبد الناصر لم يكن نسيج ذاته، بل هو نسيج مرحلة في تاريخ أمتنا، لقد جسد صورة نموذجية للرجل التاريخي، كما هو الأمر بالنسبة للرجال التاريخيين العظام، الذين برزوا في حياة الأمم..وكان لهم دور تاريخي، وذلك لم يأت استثناء بل تجاوباً مع ظروف أمة، وتلبية لحاجتها وتعبيراً عنها، وكما قال عبد الناصر نفسه << ما أنا إلا تعبير عن القومية في مرحلة من حياة الأمة>>.

ومن صلب ذلك النسيج القومي، ولدت تجربة وحدوية، مثلها جمال عبد الناصر وكان بحق تعبيرها الذي عمل على تأصيل الفكر القومي، من خلال فهم عميق لمركزية القضية الفلسطينية، وجدلها مع العروبة والتاريخ.لقد شكلت رؤيته للقضية الفلسطينية، عبر تلك السنين، حقائق تاريخية لا يمكن تجاوزها، أو اختزالها لمنظومة من قيم سالفة!!

وأولى تلك الحقائق، أن ارتباطه بفلسطين تحول عام 1948 من مجرد إحساس عاطفي إلى إدراك عقلي لأبعاد هذه القضية وتأثيرها على مصر نفسها.وقد انطلقت تلك الرؤية من أن قضية فلسطين هي في جوهرها، قضية اغتصاب وطن، ساعد عليه الاستعمار مجسداً في بريطانيا، ومن ثم فإن قضية فلسطين هي قضية مصرية، بمعنى أن الدفاع عن مصر يقتضي تحرير فلسطين، وهي قضية عربية بامتياز، لأن اغتصاب فلسطين، لايشكل خطراً على الشعب الفلسطيني فحسب، وإنما يمثل خطراً على كل الدول العربية.

إن تلك المنطلقات، شكلت أساساً جذرياً لفلسفة القومية العربية راهناً ومستقبلاً، من هنا دلالات استحضار ذكرى ميلاد جمال عبد الناصر، إذ ترسم أفقاً جديداً، لقراءة التجربة، انطلاقاً من أسسها ومنطلقاتها النظرية وصولاً إلى تجربة ناجزة، في غرس مفاهيم تحررية، لثورة يوليو وفكر جمال عبد الناصر، ومدى تطويره للوعي القومي في التاريخ الحديث، ومدى الاستجابة العربية، لذلك السياق القومي وجدليته في إطار رسالة الأمة العربية، الحضارية والتاريخية.

إن الدلالة المركزية للتجربة الناصرية هي في سياقها التاريخي/التأريخي، الذي صاغ وجدان أمة حاضرة، لم تغب أو تغيب عن مسرح وجودها، بالرغم من المؤامرات الخبيثة التي حيكت،  كما التحديات الحقيقية التي طاولت وجود الأمة حاضراً ومستقبلاً.

وإن طبيعة الصراع مع المشروع الإمبريالي والصهيوني، حملت عناوين النهوض التاريخي القومي، وإن الذي رفع يوماً شعار ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وأمم قناة السويس، وتصدى لحلف بغداد، وكان الحاجز المانع، أمام التغلغل الصهيوني في افريقيا، ولعب دوراً رائداً في تعزيز دور قوى التحرر في العالم، وعزز منظومة الحرية والتحرير، كان يعي ثوابت الأمة وقيمها، لإنتاج مشروع نهضوي أصيل.

ومن جديد،  ليس مصادفة –هنا- أن تأتي ذكرى ميلاد القائد المعلم جمال عبد الناصر، في منعطف تاريخي حاسم كان نتيجة لما سبق من هبات وانتفاضات لدى الشعب العربي الفلسطيني، الانتفاضة الثانية، انتفاضة الأقصى المباركة، التي أصبح معها المشهد العربي الشعبي في حالة حراك دائم، فالمواجهة، غدت حقيقة يومية ونهجاً مستمراً، في مقارعة العدو الصهيوني، وآلته العسكرية، وقطعان مستوطنيه…

إن الناصرية لن تستنفد بثوابتها وقيمها ومنارتها السامقة، ومازالت البوصلة تشير إلى خارطة الروح، فلسطين، الأرض والتاريخ والإنسان، حتى تستعيد عافيتها وتتطهر من رجس الاحتلال، ومن ظلال الغزاة العابرين.

إذ تستحضر الأمة رجالاتها العظام، فإنها تعيد للأذهان تاريخهم الذي سيظل على الدوام رافداً أصيلاً للمقاومة والتحرر والحرية، وانتزاع الحقوق وهو الذي يستمد صدقه وصدقيته من كفاح الشعوب التي تسير على نهجه.

وإن الوفاء لذكرى ميلاد جمال عبد الناصر، هو تمثل تلك القيم التي حملها في وجدانه، فأصبحت في وجدان الأحرار، أصبحت هويتهم، وهو باستيعاب الدروس الكثيرة التي قالتها التجربة الناصرية، وإحياء تراثها الخالد، لاكتمال تلك الدورة التاريخية للأمة، بدأت ولن تنتهي فظلت القامات منتصبة،  عالية،  شامخة،  وفي ذروة كبريائها.

وإن ذلك الرجل الذي أنجبه الريف المصري، أنجبته الأمة العربية سيظل واحداً من الذين أدهشوا التاريخ بتراث لا يموت، ومازال النيل يجري.               

-----------------------------------------------         

 

 

* اللاجئون في مخيمات الأردن يرفضون التوطين.

* التحذير من السمسرة الإقليمية بقضية اللاجئين

* الدعوة للتصدي لمشاريع التوطين وتصفية القضية

 

فتح-خاص عمان

 

اثار الحديث حول وجود اتفاق مبدئي بين القيادة العرفاتية وحكومة العدو الصهيوني لتوطين اللاجئين الفلسطينيين حيث يقيمون في البلاد العربية، الأجواء داخل مخيمات اللاجئين في الأردن بالقلق، وتصاعدت حدة التوتر في أوساط اللاجئين الفلسطينيين بعد تزايد التصريحات الصادرة عن غير مسؤول صهيوني وأمريكي والتي تؤكد أن اتفاقاً بهذا الاتجاه حظي بموافقة عرفات خلال جولات المفاوضات التي جرت مؤخراً بينه وبين بيل كلينتون ومسؤولين صهاينة آخرين.

فخلال الأسابيع الأخيرة، جرت عشرات اللقاءات والاجتماعات وتم عقد العديد من الندوات واصدار عشرات بيانات الرفض المتصلة جميعها بقضية اللاجئين وتوطينهم، واصبحت هذه قضية القضايا المتداولة بين الناس، وتحظى باهتمامهم، وبالدرجة ذاتها التي يناقشها السياسيون والنقابيون في الأردن والمعارضون لمشروع التوطين وحرمان اللاجئين الفلسطينيين من حقهم في العودة إلى وطنهم فلسطين.

ولم تكن الخطوة التي اقدم عليها اللاجئون الفلسطينيون في المخيمات برفضهم مشروع التوطين، مفاجئة للمراقبين، فقضية العودة بالنسبة للفلسطينيين تعتبر مقدسة ولا يمكن المس بها وتأخذ اهتماماً يفوق جميع القضايا المتعلقة بالقضية الفلسطينية، حيث ظلت هذه القضية خارج الخلافات التي حدثت بين التيارات الفلسطينية المختلفة على مدار السنوات الماضية.

وعلى صعيد النشاطات المتصلة بالموقف الرافض لمشروع التوطين، اعلنت المخيمات الفلسطينية في الأردن رفضها القاطع لمقترحات الرئيس الأمريكي السابق "بيل كلينتون"، واعتبرت المخيمات هذه المقترحات بأنها ستؤدي لتصفية قضية اللاجئين.

واشارت بيانات صادرة عن الشخصيات الوطنية في المخيمات إلى أن الحقوق الفلسطينية ليست موضوعاً للمساومة بل هي حقوق ثابتة لا تملك أية جهة حق التنازل عنها أو المساومة عليها، كما أنها قضية موحدة لجميع فلسطين الطبيعية وفي الشتات وهي من أهم عناصر الصراع العربي الصهيوني كونها تشكل جوهر الحقوق الوطنية الفلسطينية.

ومن جهة أخرى صدرت تصريحات صحفية لقوى وأحزاب سياسية عديدة، رفضت فيها كل ما جاء في المقترحات الأمريكية، وأعتبرت ان أي دور تقوم فيه دول أو جماعات انما هو نوع من أنواع السمسرة الإقليمية ورفضت أي مساومة أو تنازل عن حق اللاجئين بالعودة والتعويض.

وعلى صعيد متصل، تؤكد المعلومات الواردة من العاصمة الأردنية أن مكتب رئيس الحكومة علي أبو الراغب استقبل خلال الأسابيع الماضية، عدداً كبيراً من الرسائل والبيانات التي تؤكد أن قضية اللاجئين هي أساس القضية الفلسطينية وجوهرها وجوهر الصراع العربي الصهيوني وهي قضية سابقة على كل القضايا الناجمة عن الاغتصاب الصهيوني لفلسطين، وأكدت أيضاً أن حق العودة والتعويض حق مقدس وراسخ قانونياً وسياسياً وقد تكرس في القرار 194 الذي يعتبر لكل لاجئ حقاً فردياً وجماعياً لا يمكن التفاوض عليه أو تجاهله أو مقايضته في أية قضية أخرى، مضيفة أن التعدي على حق اللاجئين في العودة والتعويض يعتبر عدواناً غاشماً على الشعب الفلسطيني يوجب التصدي له.

المراقبون اعتبروا النشاطات والاحتجاجات التي قام بها أبناء المخيمات في الأردن وكذا التحضيرات للبدء في جمع التواقيع على وثيقة حق العودة، جاءت للتأكيد على حقهم في العودة ووقوفهم ضد المحاولات الأمريكية المدعومة فلسطينياً وعربياً وإسرائيلياً بإقتصار العودة على بضعة آلاف من اللاجئين في لبنان، وهو ما أبدى خشيته من عدد كبير من ممثلي المخيمات في الأردن، حيث أعرب هؤلاء وفي أكثر من مناسبة عن خشيتهم من أن تكتفي السلطة العرفاتية بالموافقة على اقتصار حق العودة على لاجئ لبنان فقط وإبقاء مصير بقية اللاجئين معلقاً.

وكانت عشرات البيانات قد ارسلت لمقر اقامة عرفات خلال زيارته إلى عمان مؤخراً صادرة عن مخيمات اللاجئين في الأردن، تؤكد جميعها رفض اللاجئين للمقترحات الأمريكية لاسيما المتعلق منها بموضوع اللاجئين ، وحذرت البيانات التي وصلت عبر الفاكس القيادة الفلسطينية من مغبة التجاوب مع هذه المقترحات والتفريط بحق العودة لملايين اللاجئين الفلسطينيين في الشتات.

وعلى صعيد متصل، كشف النقاب مؤخراً عن زيارات لعدد من مخيمات اللاجئين في الأردن قام بها باحثون وصحفيون غربيون معظمهم أمريكيون أو يعملون لصالح صحف ومراكز أبحاث أمريكية، هذه الزيارات كانت تهدف إلى الوقوف على رأي اللاجئين من المقترحات الأمريكية، حيث ألتقى هؤلاء الباحثون والصحفيون مع أعداد كبيرة من اللاجئين واستطلعوا أراءهم حول عدد من القضايا المتعلقة بالقضية الفلسطينية وقضية السلاح في الشرق الأوسط وبخاصة قضية التوطين التي تم التركيز عليها بشكل أساسي إضافة إلى الحديث حول العودة والتعويض والانتفاضة الفلسطينية، والمحادثات مع الإسرائيليين، وذكرت المعلومات أن الصحفيين والباحثين عادوا بتقارير إلى مراكز عملهم تحمل تأكيدات من أبناء المخيمات على تمسكهم بحق العودة ورفضهم التوطين وكذلك حقهم في التعويض عن السنين التي عاشوها بعيداً عن وطنهم فلسطين.

اللاجئون في الأردن كما في البلاد العربية الأخرى، ينتظرون الأيام القادمة وما قد تحمله من مفاجآت ربما تكون غير سارة في ظل اصرار القيادة العرفاتية على الاستمرار في منهجها الإستسلامي واستعدادها تقديم التنازل تلو التنازل للأعداء الصهاينة.

وما دام العرب والمجتمع الدولي يعترفون بعملاء الصهاينة كممثلين للشعب الفلسطيني لن يستطيع هذا الشعب الحصول على حقوقة لأن عرفات وعصابته يصرون على المقامرة بمستقبله.

 

كايد الكايد

 

--------------------------------------