آخر الكلام أوله:

     بين التفاؤل والتشاؤم

 شوقي بغدادي

حين أفكر في الأعياد : عيد الميلاد فعيد الفطر السعيد فعيد رأس السنة لاأملك سوى أن أردد مع المتفائلين : اللهم اجعل أيامنا كلها أعياداً ! ولكن.. ما أكاد أفتح صحيفة أو أتابع نشرة أخبار مصورة على الشاشة الصغيرة حتى ينحسر تفاؤلي حيال ما أشاهد من فواجع وكوارث فأردد مع المتشائمين : هيهات.. لا أمل.. إن السفينة تغرق وقريباً تبتلعها مياه المحيط.. فإذا لا حصرت الكلام حول ما يجري في الأرض المحتلة أكاد لا أجد ما يقال فللتفاؤل ما يبرره هناك كما للتشاؤم ما يسوغه فأي من الاثنين أنا في هذه الدوامة التي يتخبط فيها عرب هذا الزمان؟؟

يحق لنا أن نتفاءل . ولم لا؟ فانتفاضة الأقصى مستمرة منذ ثلاثة أشهر بلا هوادة وبالرغم من كل ما يحيط بها من حصار وما تتلقاه من تجاهل عالمي وقومي. وهؤلاء الفتيان الفلسطينيون يجترحون المعجزات ببساطة مذهلة ويكتسبون مع المعاناة المتواصلة ما يشبه العادات الثابتة والتقاليد العريقة وما من ريب في أن استقالة رئيس حكومة العدو مؤشر لا لبس فيه على الاهتزاز العنيف الذي بدأ يخض الكيان السياسي والاجتماعي للدولة المصطنعة كاشفاً في جدارها المتصلب عن فجوات وتصدعات قابلة للاختراق شريطة أن تواجه بجدار أكثر صلابة ليس بما يقتنيه أصحابه من أسلحة متطورة وإنما بقوة العقيدة والإرادة والمثابرة على التحدي والتضحية وهذا ما تصنعه انتفاضة الأقصى ختى الآن وقد شرعت تتحول إلى ما يشبه المقدمة لحرب شعبية شاملة.. فلماذا إذن لا نتفاءل؟؟

غير أن للمتشائمين ما يسوغ تشاؤمهم بالمقابل.. فالعرب الذين عقدوا قمتهم الاستثنائية وسط ضجة عالية لا مثيل لها ثم ختموها بأحلى الوعود. والمسلمون الذين انتظموا بعد أيام في قمة أخرى أكبر وأوسع وخرجوا منها بأجمل وأقوى التوصيات والمشاريع والقرارات الداعمة لانتفاضة الأقصى.. كل هؤلاء عرباً كانوا أو مسلمين غير عرب لم ينفذوا من الوعود التي أطلقوها والقرارات التي تبنوها سوى قطرات من بحر فماذا عساهم ينتظرون؟؟ وما مغزى هذا التواكل والتقاعس والتردد سوى إثبات ما يشيعه أخصامنا عنا وما يجعلهم غير آبهين بالقمم التي نعقدها والزهور التي نضفرها أنها لم تكن_كالعادة_ أكثر من كلام في كلام في كلام.. فكيف يمكن للعائلات الفلسطينية التي تعطلت أعمالها وأغلقت مدارسها وذهب أولادها إلى الشوارع والأزقة كي يتابعوا ملحمتهم اليومية ضد جنود العدو المدججين بأدوات الموت الصاعق.. كيف لهذه الأسر أن تجد طعامها ودواءها وثيابها وتتابع حياتها داخل بيوتها وخارجها كما يليق بالإنسان المقاوم أن يفعل؟ فكيف لا نتشاءم حيال هذا الوضع العربي البائس المتردي أكثر فأكثر؟؟

لا أريد أن أشتق ولو على سبيل المزاح تسمية منحوتة من التفاؤل والتشاؤم كما صنع أحدهم ذات يوم فأقول أنا من المتشائلين والتشاؤل هو الموقف الوسط الذي أستريح إليه...

لا يمكنني ذلك فالمتشائلون لا يحلون المعضلة بل يحتفظون بها ويكتفون بالحديث عنها والتفرج عليها.. فأين إذن أنا بين الطرفين : هل أتفاءل أم أتشاءم؟؟

أقول: سأتفاءل. ولا تسألوني لماذا؟ فأنا لا أملك جواباً سوى قولي: إنني لا أستطيع إلا أن أتفاءل.

 

-----------------------------------------------