شارون بعد فوزه الانتخابي..

الجنرال العجوز في متاهة

حكومة موسعة أم مصغرة؟!

أسفرت نتائج انتخابات رئاسة الحكومة في الكيان الصهيوني التي جرت في السادس من شباط 2001 –وكما هو متوقع- عن فوز ارئيل شارون بغالبية 62.3 في المئة مقابل 37.6 في المئة من أصوات الناخبين التي جاءت نسبة مشاركتهم ضئيلة اعتبرت الأدنى في تاريخ الانتخابات التي جرت في الكيان الصهيوني إذ بلغت هذه النسبة 59 في المئة أي نحو مليونين و666 ألف شخص من أصل نحو أربعة ملايين و504 آلاف ناخب وناخبة مسجلة أسماؤهم.

وبهزيمة إيهود باراك أصبح أمام شارون تجاوز عدد كبير من المصاعب للإمساك بقوة بعناصر ومكونات اتخاذ قرارات سياسية مصيرية والوصول إلى حالة من الاستقرار في أداء حكومته. إذ أن عليه أن يشكل حكومة خلال مهلة لا تتجاوز الـ45 يوماً. وعلى هذه الحكومة بعد نيلها ثقة الكنيست في 31 آذار كحد أقصى أن تنجز الموازنة العامة ومصادقة الكنيست عليها، وبانتهاء هذه المهلة وعدم إنجاز شارون هذه المهام يتعين على الكنيست حل نفسه والدعوة إلى إجراء انتخابات جديدة للكنيست ولرئاسة الوزراء هذا في حال عدم تمرير مشروع قانون يقضي بالعودة إلى أسلوب الانتخاب المباشر لرئيس الوزراء بالقراءتين الثانية والثالثة.

ويذكر أن قانون الانتخاب المباشر لرئيس الوزراء عمل به عام 1996 حين تنافس كل من شمعون بيرس مرشح حزب <<العمل>> واليسار الصهيوني ومرشح حزب الليكود واليمين الصهيوني على رئاسة الحكومة. أما القانون القديم الذي أقر منذ أول انتخابات للكنيست جرت عام 1949 وظل ساري المفعول حتى العام 1996 فكان يقضي بتكليف رئيس الحزب الذي يفوز بأكبر عدد من مقاعد الكنيست تشكيل الحكومة وهي بطبيعة الحال ائتلافية وعرضها على الكنيست لكسب الثقة بها بغالبية 61 صوتاً.

وكان مأمولاً من قانون الانتخاب المباشر لرئيس الحكومة: زيادة قوة رئيس الحكومة وصلاحياته تجاه حزبه والأحزاب الأخرى، خصوصاً وأن تعديل القانون يلزمه وجود 80 صوتاً أي ثلثي أعضاء الكنيست لإسقاط رئيس الحكومة من دون أن يعني ذلك سقوط الكنيست أو عضوية أعضائه في حين يمكن إسقاط الحكومة. ومن أهداف هذا القانون أيضاً تقليص نفوذ الأحزاب الصغيرة وابتزازها للناخبين ومواجهة حال التشرذم الحزبي.

إلا أنه وفي التطبيق العملي لهذا القانون جاءت النتائج عكسية إذ زاد عدد الأحزاب وبلغ 18 حزباً في انتخابات 1999 بعد أن كان 12 حزباً في انتخابات 1996. كما ظهر أن هذا القانون أدى إلى زيادة قدرة الأحزاب على اختلاف حجومها وتمثيلها العددي في الكنيست على ابتزاز رئيس الحكومة وممارسة الضغوط عليه لمصلحة أغراض تنحصر جمهور الحزب الخاص، وهذا ما كان حزب <<شاس>> ودوره الرئيس في إسقاط حكومتي نتنياهو وباراك نموذجاً جلياً عنه.

وراهناً، يواجه شارون كنيست يتوزع 19 حزباً أو تجمعاً عدد مقاعده الـ120، قواه الرئيسة المتطرفة المكومة من: الليكود وشاس و يهوديت هتوراة والمفدال ويسرائيل بيتنا، والاتحاد القومي تحتل نحو 67 مقعداً من مقاعد الكنيست فيما تتوزع المقاعد الباقية أحزاب، يدعى بـ اليسار الصهيوني وهي: حزب العمل وميرتس وحزب الوسط وشعب واحد إضافة إلى الأحزاب العربية باقي عدد مقاعد الكنيست.

ولإدراكه عيوب قانون الانتخاب المباشر لرئيس الحكومة ولما آلات إليه سلفيه في رئاسة الحكومة أي نتنياهو وباراك سارع ارئيل شارون إلى الإيفاء بوعده الانتخابي والاتصال بمنافسيه إيهود باراك ودعوته للتفاوض حول تشكيل ما يسمى بـ حكومة <<وحدة وطنية>>لاعتقاده أنه سيكون الرابح الكبير والوحيد من تشيكل هذه الحكومة داخلياً وخارجياً، إذ أنه يعطي لحكومته وهي في جوهرها حكومة حرب مسحة يسارية تضليلية من خلال حزب العمل في حكومة شارون تشكل قاعدة لعمل عسكري يحظى بدعم سياسي واسع داخل الكيان الصهيوني.

وعلى الصعيد الخارجي الدولي فإن شارون لا يمكن إلا أن يكون مسروراًَ بوجود شمعون بيريس على رأس وزارة الخارجية نظراً لصورته الإيجابية على الصعيد الدولي فضلاً عن كونه أي بيريس قادراً على المشاركة في صياغة السياسة الخارجية وتسويقها بفعالية لإجهاض أي محاولة لفرض العزلة على الكيان الصهيوني.

ويذكر أنه من بين المكاسب المهمة التي سيحصل عليها شارون من تشكيل حكومة وحدة إبعاد التهديد الذي يمثله بنيامين نتنياهو له داخل الليكود، وكان نتنياهو الذي لايخفي مطامعه السياسية بالعودة إلى السلطة توقع ألا تتمكن حكومة شارون من البقاء أكثر من بضعة أشهر كما أنه يعمل على اسقاطها.

متاهة الاستقالة " الباراكية"

اعلن أيهود باراك فور الإعلان عن نتائج الانتخابات لرئاسة الحكومة التي أفضت إلى هزيمة ساحقة له أنه سيستقيل من زعامة حزبه ومن عضوية الكنيست إلا أنه سارع مباشرة إلى تلبية طلب شارون لتشكيل حكومة وحدة وشكل طاقمه المفاوض الذي كلف بالتفاوض على الخطوط الأساسية العريضة للحكومة وعلى المناصب الوزارية التي سيستلمها ممثلو حزب العمل في الحكومة الموسعة، وبعد تجاذبات نجمت عن تأزم الأوضاع داخل حزب العمل نتيجة للخسارة الفادحة في الانتخابات أعلن ابارك بداية قرب تشكيل الحكومة وتوليه وزارة الحرب إلى جانب تولي شمعون بيريس حقيبة الخارجية وذلك بعد أن تم على الخطوط الأساسية العريضة للحكومة الموسعة التي تشكل القواسم المشتركة في مواقف كل من الليكود والعمل إزاء عملية التسوية بمساراتها المختلفة وخصوصاً على المسار الفلسطيني لجهة اسئناف المفاوضات على قاعدة إخماد الانتفاضة الفلسطينية والتوصل إلى اتفاق مرحلي جديد وليس اتفاقاً نهائياً يقضي بتسوية قضايا المرحلة النهائية للتسوية على هذا المسار والمتعلقة بقضايا رئيسية مثل: القدس واللاجئين والدولة الفلسطينية والحدود والمياه.

ورضوخاً لمفاعيل الأزمة داخل حزبه عاد بارك وأعلن عن استقالته من جديد من زعامة حزب العمل ومن عضوية الكنيست فور تشكيل شارون لحكومته، وجاء هذا الإعلان بعد الانتقادات القاسية التي تعرض لها لموافقته على تولي منصب وزير الحرب التي رأى فيها منافسوه على زعامة الحزب وفي مقدمتهم أبراهام بورغ رئيس الكنيست وحاييم رامون وبنيامين بن اليعيزر انتهازية خالصة من باراك وتضحية بمستقبل حزب العمل.

ولم تؤد استقلة باراك إلى توقف المفاوضات بين طاقمي العمل والليكود لتشكيل حكومة وحدة رغم الانقسام داخل حزب العمل حول جدوى المشاركة في هذه الحكومة إذ يبدو أن الغلبة ستكون للمؤيدين للإنضمام إلى حكومة يرأسها شارون، وإذا حدث العكس ربما ينهار حزب العمل توطئة لبروز حزب جديد كبير يرث حزب العمل ويكون حصيلة اندماج" حمائم" هذا الحزب وفي مقدمتهم حاييم رامون ويوسي بيلين مع حزب ميرتس وكتل يسارية أخرى،أما شارون فسيذهب في حالة فشل جهوده لتشكيل حكومة وحدة نحو تشكيل حكومة ضيقة تضم في صفوفها غلاة اليمين الصهيوني، وفي هذه الحال قد يواجه المصير ذاته الذي سبق وأن واجهه كل من بنيامين نتنياهو وباراك.

وماذا بعد التصويت بالأقدام"؟!

فور الدعوة إلى إجراء انتخابات لرئاسة الحكومة في الكيان الصهيوني طفت إلى سطح النقاشات السياسية والحزبية الصهيونية وكذلك أوساط من يدعون"بعرب إسرائيل"أو "الأقلية" العربية في إسرائيل والتي يجري تقسيمها على اساس أثني/ ديني إلى: عرب ودروز وبدو ويشمل تصنيف العرب: المسلمين والمسيحيين، طفت مسألة المشاركة العربية في الانتخابات وجدواها خاصة بعد العنف الذي مارسته الشرطة ضد فلسطينيي 1948 أي مواطنيها جراء تضامنهم مع أشقائهم من فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة في سياق انتفاضة الأقصى، وهو العنف الذي أفضى إلى سقوط 13 شهيداً منهم إضافة إلى العشرات من الجرحى والمئات من المعتقلين.

تمحورت النقاشات حول جدوى المشاركة في "الوسط العربي" وتراوحت وجهات النظر بين المقاطعة والتصويت والتصويت بورقة بيضاء والهدف الرئيس لوجهات النظر هذه تمثل في معاقبة حكومة باراك وليس ترحيباً بقدوم أرييل شارون.

ووفق نتائج انتخابات السادس من شباط/ فبراير لرئاسة الحكومة كانت خارطة الأصوات العربية أو اتجاهات التصويت العربي كمايلي: بلغت نسبة المشاركة في التصويت 18 في المئة، ونسبة الأصوات الصالحة 84 في المئة مقابل 95 في المئة في انتخابات1999، وهذا يعني أن الدعوة إلى التصويت ببطاقة بيضاء في الوسط العربي حظيت باستجابة ضعيفة جداً ومن بين الأصوات الصالحة للأحتساب حظي ايهود باراك بـ73 في المئة مقابل 95 في المئة في انتخابات 1999 ، بينما حظي أرييل شارون بـ27 في المئة مقابل 5 في المئة ذهبت لصالح بنيامين نتنياهو في انتخابات 1999 .

ويعتقد أن هزيمة باراك رغم محاولته استرضاء  الناخبين العرب ترجع في الأساس من نسبة تصويت ضئيلة في القرى والمدن الغنية بالناخبين.

 وفي بعض هذه القرى والمدن مثل: أم الفحم وسخنين والناصرة التي سقط فيها شهداء انتفاضة الأقصى كانت نسبة التصويت في أم الفحم 4 في المئة فقط مقابل 75 في المئة في انتخابات 1999 التي حصل فيها باراك على 99 في المئة من أصوات الناخبين العرب.

وفي سخنين انتخب 1 في المئة من اصحاب حق الأقتراع مقارنة بمدينة الناصرة التي بلغ عدد صناديق الأقتراع فيها 64 صندوقاً كانت نسبة التصويت 16 في المئة فقط من أصوات المصوتين، حصل فيها بارك على 89 في المئة.

وفي قرية شفاعمرو بلغت نسبة  التصويت 22 في المئة مقابل 77 في المئة عام 1999، ووصلت نسبة تأييد باراك 77 في المئة.

وإن نسبة التصويت المنخفضة في المدن العربية ذات التجمعات الكبيرة للناخبين ساهمت أيضاً في هزيمة باراك، ففي مدينة الطيبة بلغت نسبة التصويت 6 في المئة ربعها بطاقات بيضاء، وحصل باراك على 94 في المئة من الاصوات الصالحة بينما كانت نسبة التصويت 80 في المئة عام 1999 حصل باراك على 99 في المئة منها، وفي قلنسوة اقترع 9 في المئة من اصحاب حق الأقتراع بينها 69 في المئة من الأصوات صالحة وحصل بارك على 91 في المئة منها.

ويشير المراقبون إلى أن هزيمة باراك كانت قاسية في القرى التي يترأس مجالسها مؤيدون لحزب العمل!! أو أشخاص دعوا علناً إلى تأييده ففي قرية عيلوت في الجليل التي يترأس مجلسها العمالي ابراهيم أبو راس كانت نسبة الأقتراع 6 في المئة فقط.

وفي قرية رامة التي يترأس مجلسها عمالي ايضاً وصلت نسبة الاقتراع إلى 28 في المئة حصل باراك على 62 في المئة من اصواتها الصالحة.وفي قرية قرع وهي قرية نائب وزير الخارجية نواف مصالحة اقترع 15 في المئة فقط، وحصل باراك على 90 في المئة من اصواتها الصالحة.

وكانت نسبة التصويت في عربة نحو 7 في المئة و5 في المئة في الجت و4 في المئة في مندا.

وارتفعت نسبياً نسبة التصويت في قرى الجليل وتراوح التصويت بي 20 و30 في المئة مقابل 78 في العام 1999 منهم 58 في المئة أعطوا أصواتهم لباراك بينما ذهبت اصوات 42 في المئة في الوسط الدرزي لصالح شارون.

وبين " البدو" بلغت نسبة التصويت 17 في المئة فيما كانت نسبة الأصوات الصالحة 86 في المئة حصل باراك منها على نسبة 82 في المئة مقابل 18 في المئة لصالح أرييل شارون.

هامشيون متهمون دائماً

كان لافتاً في أعقاب إعلان نتائج انتخابات رئاسة الحكومة مسارعة بعض قيادات حزب العمل إضافة إلى يوسي ساريد زعيم حركة" ميرتس" اليسارية إلى تحميل" الوسط العربي" مسؤولية فشل باراك.

وهي التهمة الجاهزة دائماً التي رفضها نائب وزير الخارجية نواف مصالحة الذي برر لجوء الناخبين العرب إلى التصويت بأقدامهم وليس بأيديهم بسياسة حكومة باراك التي لم تشرك الوسط العربي ممثلاً بأعضاء الكنيست العرب في حد أدنى في الائتلاف كما أنها لم تتخذ أي قرار هام بالنسبة للوسط العربي. أما رفض هذه التهمة من قبل عبد الوهاب الدراوشة زعيم الحزب الديمقراطي العربي، فتمثل في تبريره لأهم نتيجة حصل عليها الوسط العربي من مقاطعته للانتخابات إذ قال في حديث للإذاعة الإسرائيلية الناطقة بالعربية" إن مقاطعة الانتخابات حققت لنا فائدة معاقبة وتلقين اليسار الإسرائيلي وحزب العمل خاصة درساً للمستقبل. ونحن جزء من اليسار الذين ينظر إلينا كتابعين لليسار الإسرائيلي وليس كشركاء والجمهور العربي عاقب من استهتر به".

أما الدكتور احمد الطيبي رئيس الحركة العربية للتغيير فذكر أن موقف قيادات الوسط العربي من باراك كان ينبع من رؤية مستقبيلة لمصلحة الجماهير العربية وليس العكس، إذ أنه لا بد من تصحيح علاقة حزب العمل بهذه الجماهير هذه العلاقة التي وصفها الطيبي بأنها" علاقة تاريخية مشوهة مبنية دائماً على أننا خاسرون دائماً، نخسر عندما يخسرون ونخسر عندما يربحون، وهذه القاعدة انتهت هذه المرة، ويجب أن تبنى العلاقة من جديد على أسس سياسية ومدنية جديدة مناقضة لسياسة" السيد والمسود" ومطابقة لعلاقة الند بالندوالتكافؤ".

ووصف الطيبي الاقتراع بورقة بيضاء بأنه أسلوب أحتجاجي إذ أنه لو تم احتساب الورقة البيضاء لصوتت الجماهير العربية على اعتبار أن هذه الورقة تعني مرشحاً ثالثاً.

 وفي تبريره لدعوته إلى التصويت بورقة بيضاء تعني لي أنني لا أريد أن يسجل علي كعضو كنيست موقف الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات والتنازل عن حق مدني.

أما الدكتور عزمي بشارة زعيم التجمع الوطني الديمقراطي فاعتبر ان مقاطعة العرب للانتخابات" خطوة إيجابية نحو الموقف ضد الممارسات التي تقوم بها الحكومات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، حيث استطعنا إثبات وجودنا خلال المقاطعة لتك الانتخابات، والمقاطعة حققت لنا مكسباً وطنياً".

فيما رأت حركة أبناء البلد"- التي دعت مؤخراً إلى تشكيل برلمان وطني لفلسطينيي 1948 –"أن خطوة المقاطعةكانت تعبيراً احتجاجياً ضد المؤسسة "الإسرائيلية" التي تعاملت معنا على مدى 52 عاماً ليس فقط كرعايا بل كاعداء يجوز إطلاق النار عليهم عند الحاجة.

ويعتقد محمد بركة رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة" المعروفة باسم "حداش"أن التصويت بورقة بيضاء " تعبير عن موقف حزب سياسي لا يريد أن يخرج نفسه من دائرة الشرعية السياسية، وإلقاء ورقة بيضاء تكتسب معنى الأحتجاج،وتحفظ استمرارية المشاركة بالعملية الانتخابية في الوقت نفسه، وكان تصويتنا احتجاجياً وتسجيلاً لموقف نوعي مدني من الدرجة الأولى.

واعتقد أننا نجحنا في ذلك وكان موقفنا صحيحاً اخذ بالاعتبار كافة العوامل وفي مقدمتها التصويت ضد باراك والاحتفاظ في الوقت نفسه بحق المشاركة السياسية وهو مكسب كبير لجماهيرنا العربية في "إسرائيل".

لماذا غاب المرشح العربي؟!

بخلاف الانتخابات السابقة لرئاسة الحكومة التي شارك فيها- ثم إنسحب – الدكتور عزمي بشارة، أخفقت القيادات السياسية لفلسطينيي 1948 في تقديم مرشح عربي لرئاسة الحكومة كي لا يكون مرشحاً ثالثاً يثبت إنتخابه من قبل الوسط العربي حق المشاركة السياسية لهم.

وجاء هذا الإخفاق على خلفية رفض بشارة ذاته لترشيح عربي لرئاسة الحكومة إذ اتفق تسعة أعضاء كنيست عرب على ترشيح البروفيسور ماجد الحاج لمنصب رئاسة الحكومة.

وكانت تكفي موافقة عضو الكنيست العاشر عزمي بشارة ليدخل ترشيح ماجد الحاج حيز التنفيذ وذلك وفقاً للقانون "الإسرائيلي" الذي يلزم بحصول المرئح لرئاسة الحكومة على توقيع عشرة أعضاء كنيست سواء كان المرشح عضو كنيست أم مستقلاً.

رغم عدم لومه الأعضاء الكنيست العرب على عدم اتفاقهم على مرشح عربي لرئاسة الحكومة إلا أنه- عبد الوهاب الدراوشة- اعتبر عدم الاتفاق هذا أمراً خطيراً وقع به أعضاء الكنيست العرب وذلك بسبب"الأنانيات الحزبية الضيقة والفارغة"بينما رحج أحمد الطيبي حصول المرشح العربي لرئاسة الحكومة وهو ماجد الحاج لو تم توفير تواقيع عشرة أعضاء كنيست على ما بين 75-80 في المئة من أصوات الناخبين العرب الذي ربما نسبة مشاركة تصويتهم ارتفعت إلى حدود النسبة ذاتها لمشاركتهم في انتخابات1999 .

ويمكن تفسير غياب مرشح عربي لرئاسة الحكومة "الإسرائيلية" هذه المرة على خلفية رفض صاحب فكرة تقديم مرشح في الانتخابات السابقة وهود. عزمي بشارة بأحد أمرين: أولهما اعتقاد بخطأ الفكرة جملة وتفصيلاً أو أنها في التطبيق العملي لم تحدث النتائج المرجوة منها.

وثانياً: بداية تبلور قناعة بضرورة إعادة النظر في جدوى الترشيح لرئاسة الحكومة وغيره ممكن المناصب الرسمية سواء أكانت الحكومية أو الكنيست أو في أي مؤسسة "إسرائيلية" وذلك على اعتبار أن هذا المنصب أو ذاك حتى لو كان منصب وزير في الحكومة "
"الإسرائيلية" لا يعدو أن يكون منصباً فخرياً بلاصلاحيات أو رشوة سياسية وهذا ما تشير إليه النقاشات حول تعيين عربي وزيراً في حكومة شارون من خارج الكنيست.

وفي المحصلة العامةفإن أسلوب التصويت الذي لجأ إليه فلسطينيو 1948 في انتخابات رئاسة الحكومة رغم محاولته الخروج من دائرة الاستقطاب الثنائي والمفاضلة بين باراك وشارون كان أسلوباً أحتجاجياً وصف بأنه تصويت بالأقدام وليس بالأوراق أملته إنعكاسات الواقع السياسي وانتفاضة الأقصى ربما يشكل محوراً لتفاعلات وتداعيات لاحقة ربما تسفر عن انفجار عنيف يأخذ شكل انتفاضة"ثانية" لفلسطينيي 1948 على غرار ما يمكن تسميته بانتفاضة يوم الأرض عام 1976 .

مأمون كيوان