الافتتاحية:

جولة باول في المنطقة

 

 

 

-جولة باول استمرار للعدوان الأميركي على العراق والأمة، ودعم للكيان الصهيوني ومحاولة لقطع الطريق على استمرار الانتفاضة، والتضامن العربي.

-شعبنا سيواصل صموده ونضاله حتى دحر الاحتلال بلا قيد أو شرط، و سيسقط المجرم شارون كما أسقط الآخرين من قبله.

 

 

بعد فوز شارون برئاسة الحكومة الصهيونية وتعاظم المأزق الاستراتيجي الذي يعيشه الكيان الصهيوني واستمرار الانتفاضة بزخمها وفعلها الكفاحي، وتهديدات شارون عبر تصريحاته العدوانية المتلاحقة، التي لم تقتصر على شعبنا وانتفاضته الباسلة حيث توعد بالمزيد من الحصار والقتل والتدمير، بل شملت سوريا ولبنان والعراق وإيران جاء العدوان الأميركي-البريطاني على العراق الأمر الذي يؤكد أن تقاطع هذا العدوان مع مجيء شارون يضع المنطقة أمام مرحلة جديدة من الصراع والمواجهة نقف على أعتابها أمام استحقاقات خطيرة تستدعي حشد كل الطاقات والإمكانيات لمواجهتها.

وفي هذا السياق جاءت جولة وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية لتأخذ طابع التصعيد والعدوان، متوعداً في جولاته لعدد من العواصم العربية التي زارها بإبقاء الحصار على العراق وبشن المزيد من الهجمات مخاطباً العرب بالقول <<إن الوجود العسكري الأميركي في المنطقة لطمأنتهم ولحفظ الأمن؟!>>

جاء باول في زيارته وهي الأولى، يقول وليسمع الآخرون أن هذه هي سياسة الولايات المتحدة تجاه ما يجري في فلسطين والعراق وهذا هو موقفنا من الكيان الصهيوني وحكومة شارون في الوقت الذي يتجاهل فيه القادة العرب مجرد اسماع باول ردود الفعل العربية الرافضة والشاملة في العالم العربي كله قصف بغداد، ودعم الولايات المتحدة للكيان الصهيوني ضد شعبنا، ولاستراتيجيته في المنطقة القائمة على زرع القواعد العسكرية فيها، بينما تزود قاعدتها العسكرية الأخرى <<إسرائيل>> بكل أدوات العدوان على الشعب الفلسطيني والعراقي والعربي.

وعليه لم تكن تصريحات باول وزير خارجية الولايات المتحدة تحمل أي غموض أو لبس لجهة الأهداف السياسية من وراء العدوان على العراق. والدعم لشارون والكيان الصهيوني والتي تتلخص بجملة من الأهداف:

-ضرب الخطوات الإيجابية باتجاه التضامن العربي المتمثل في انعقاد القمة العربية الطارئة <<التي لم تشكل لكل القوى الحية في أمتنا الحد الأدنى>> وحضور العراق هذه القمة الأمر الذي يساهم بإمكانية تصحيح الخلل الذي ضرب التوازنات في المنطقة منذ حرب الخليج الثانية.

-الالتفاف على الحراك الشعبي في الشارع العربي الرافض للبرنامج الأميركي-الصهيوني والداعم لانتفاضة شعبنا، ومطالبة الشارع العربي أنظمته بضرورة التحرك واتخاذ مواقف من ذلك كله، والذي تمثل في نجاح العراق في الخروج ولو جزئياً من دائرة الحصار من خلال المثلث الروسي-الفرنسي-الصيني والانفتاح العربي عليه ولا سيما من دولتين مركزيتين هما مصر وسوريا، وبدء العراق بأخذ دوره العربي سواء لجهة دعمه وإسناده للانتفاضة أم لجهة توطيد علاقاته السياسية والاقتصادية مع جيرانه مثل سوريا وإيران وأيضاً مصر، ومدى القلق الأميركي من التنسيق السوري-العراقي وملامح تشكل محور استراتيجي.

إنها في حقيقة الأمر رسالة واضحة الأهداف والأبعاد حملتها القنابل المتساقطة على بغداد، والتي أكدت أن الخطر الحقيقي الذي يهدد أمن المنطقة هو سياسة الولايات المتحدة ووجود ممارسات الكيان الصهيوني ضد شعبنا في داخل الوطن المحتل، إضافة لإتاحتها الفرصة أمام الكيان للتخلص من مأزقه الاستراتيجي الذي يتعمق كل يوم بفعل الانتفاضة وإبعاد أنظار القادة العرب عن الاهتمام بموضوع الصراع العربي-الصهيوني ودعم وإسناد الانتفاضة والاهتمام لتشديد الحصار على العراق ومواصلة الاعتداء عليه.

وهذا يؤكد ويدلل مرة أخرى على أنه سواء ذهب كلينتون أم جاء بوش فالرؤية الاستراتيجية الأميركية لم تتبدل على صعيد المنطقة وبالخصوص على صعيد اللاءات الخمس التي طرحها الكيان الصهيوني في سياق سعيه لتصفية القضية الفلسطينية المتمثلة في  لا للقدس ولا لدولة ذات سيادة ونعم لبقاء المستوطنات، ولا للعودة إلى حدود الرابع من حزيران، ولا لحق العودة. وإن القوة هي الذراع الأساسي للسياسة الخارجية الأميركية لمن لا يذعن للإرادة الأميركية، وإنها سوف تتصدى لأية محاولة لتغيير البيئة الاستراتيجية الإقليمية كما الدولية بما يمكن أن يقلص من مكانتها أو يهدد مصالحها كقطب أو حد.

وإزاء ذلك كله من المؤسف أن الولايات المتحدة تهدد العرب ومن خلال عواصمهم وهم في موقع المتلقي والمتفرج، فأين قرارات الشرعية الدولية وأين الموقف من ازدواجية المعايير والمقاييس للولايات المتحدة، وأين الموقف من ضرب العراق وحصاره.. ومن قتل وحصار الشعب الفلسطيني.. وأين الموقف من مطالب الشارع العربي الرافض للسياسة الأميركية-الصهيونية..

وما هو الموقف من السلاح الأميركي والدعم اللامحدود للكيان الصهيوني في كافة المجالات السياسية والعسكرية والمادية؟ فأين أنتم يا قادة العرب من كل ذلك.. ألا يعني قصف بغداد قصفاً لكل العواصم العربية وتهديداً لها.

إن ما تريده الولايات المتحدة اليوم هو تطبيق متقدم لسياسة الاحتواء الأميركية، والوزير الأميركي الحامل لرتبة جنرال، يحمل مشروعاً يريد من الدول العربية أن تتوافق معه، وقوام هذا المشروع يتلخص في تشديد الحصار على العراق، والسعي لتوقيف الانتفاضة الفلسطينية فهو في تصريحاته يتحدث عن <<وقف العنف>> ويقصد بذلك ضرب الانتفاضة، معتبراً أن هذه مهمة مركزية، لواشنطن، ولمن يريد السير معها في سياساتها، دون أية إشارة إلى القتل والعدوان الذي يقوم به الصهاينة، وبما يتجاوز المساواة بين الضحية والجلاد.

وبالمقابل فإن الجنرال الذي يلبس ثوب الدبلوماسية عاد ليجدد موقفاً أميركياً معروفاً في التأكيد على أهمية العلاقات بين بلاده والكيان الصهيوني، واصفاً إياها بأنها علاقات غير قابلة للمساس بها، وأن واشنطن ملتزمة ما أسماه <<أمن إسرائيل>>. و<<أمن إسرائيل>> حسب الوصفة الأميركية يعني أن تظل كياناً عدوانياً مسيطراً ومهيمناً، وأن يخضع العرب له.

إن جولة باول يريد أن يقول إن على العرب ألا يدافعوا عن حقوقهم وأراضيهم بل عن مصالح الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، فأميركا اليوم كما هو الكيان في مأزق، وعلينا أن لا ننخدع بسياسة الولايات المتحدة، أنها على رأس معسكر أعداء الأمة، فالمطلوب وقف الولايات المتحدة عن التمادي في عربدتها. وعلى القوى والأحزاب وحركة الشارع العربي الرافضة لسياسة الولايات المتحدة أن ترتقي لتكون في مستوى التهديد وأن ترد بتهديد المصالح الأميركية.

إن أمتنا بخير وشعبنا الذي أكد على مواصلة نضاله وانتفاضته الباسلة قادر على تعميق مأزق العدو وصولاً إلى تحقيق أهدافه المتمثلة في دحر الاحتلال دون قيد أو شرط ودون التنازل عن أي حق من حقوقنا التاريخية وفي مقدمة ذلك حق العودة إلى وطنه، ولنا في الانتصار الذي تحقق في جنوب لبنان النموذج الذي نراه مثالاً أمامنا.

ولتجسيد ذلك فإن المطلوب اليوم أمام المخاطر التي تواجه شعبنا وأمتنا هو تصليب الموقف العربي في مواجهة البرنامج الأميركي-الصهيوني، والخروج من دائرة الوهم والرهان على الولايات المتحدة العدو الأول لأمتنا الأمر الذي يتطلب توفير كل مستلزمات صمود شعبنا، والدفع باتجاه بناء المشروع الوطني وإسناد كفاح شعبنا من أجل تطوير أدائه الكفاحي.

وبهذا تستطيع الأمة الصمود والمواجهة، وشعبنا لديه الاستعداد لمزيد من التضحية وتقديم آلاف الشهداء على طريق التحرير لا على طريق التسويات والمساومة بدمائه على حقوقه، ونحن على ثقة أن العدوان على العراق لن يزيد أمتنا إلا صموداً وقوة وأن شعبنا سيسقط شارون كما أسقط الآخرين من قبله وأنه مصمم على مواصلة نضاله من أجل تحقيق أهدافه في التحرير والعودة.

--------------------------------------