حكومة شارون وتوصيات لجنة شرم الشيخ

تفسيرات انتقائية لعبارات مطاطية!!

 

أصدر السناتور السابق جورج ميتشل مؤخراً النص النهائي لتقرير لجنة شرم الشيخ لتقصي الحقائق التي أقرت تشكيلها القمة السباعية التي عقدت في شرم الشيخ في 16/10/2000 والتي اعتبر رئيس الحكومة السابق إيهود باراك أن تشكيلها نجاحاً لحكومته وأهدافها المتمثلة في <<جهد منسق لإنهاء>> العنف السائد 2001 ومنع تشكيل لجنة تحقيق دولية، والتركيز بدلاً من ذلك على لجنة تقصي الحقائق.

 ورغم ذلك وإلى جانب محاولات العرقلة أعرب الوزير روني ميلو، قبيل اجتماعه الأول مع لجنة ميتشل جملة مخاوف من خلال قوله: <<جئت إلى الجلسة بمخاوف كبيرة جداً، ولكن ميولهم تشير إلى أنهم لا يعتزمون أن يكونوا هيئة قضائية>>. ويكمن مصدر تلك المخاوف من أن يقوم مصدر خارجي بالتحقيق في نشاطات قوات الأمن حسب معايير موضوعية. ورفعت حكومة شارون إلى لجنة ميتشل تقريراً جاء فيه: <<ثمة الكثير من الصور للمواجهة الحالية سيبقى ماثلاً في الذاكرة هو عملية التنكيل الجماعي البربري الوحشي ضد جنديي الاحتياط اللذين ضلا الطريق في 12/10/2000، ووجدا نفسيهما، محاصرين من قبل عصابة في مركز الشرطة الفلسطينية في رام الله. لقد استحقا الحماية في مركز الشرطة الفلسطينية فلم يحصلا عليها، لقد ماتا في نفس اليوم(..) إن الصورة التي روجت في كل أنحاء العالم تظهر أحد المهاجمين الفلسطينيين، وهو يخرج من نافذة مخفر الشرطة رافعاً يديه الملوثتين بالدم، كانت رسالة لكل الإسرائيليين. وهذا ليس احتجاجاً، ولا تظاهرة للإعراب عن الرغبة في دفع العملية السلمية(..) وإن العنف الحالي لم يكن أحداثاً عضوية (..) والتصلب الفلسطيني كان وراء فشل قمة كامب ديفيد ومعارضة الإعلان عن الدولة الفلسطينية في 13/9/2000 مثلما كان مخططاً،واتجهت القيادة الفلسطينية نحو العنف من أجل خلق جقائق جديدة على الأرض وإعادة التفوق الأخلاقي".

 وتراوحت تعليقات الصحافة الصهيونية إزاء لجنة ميتشل بين التفاؤل والتشاؤم إذا اعتبر أن مصير تقريرها هو"الغبار على رفوف التاريخ،والقول أنه كان من الأفضل لو أن هذه اللجنة  لم تشكل،ومن المشكوك فيه أن تؤدي توصيات اللجنة إلى دفع عرفات إلى إيقاف العنف وإلى دفع"إسرائيل" إلى تجميد المستوطنات".

 وبداية،تمثل رد رئيس الحكومة أرييل شارون على تقرير ميتشل بقوله:إسرائيل آسفة على ذلك لأن لجنة ميتشل امتنعت من حسم المسألة الأساسية وهي:من هو المسؤول عن اندلاع موجهة الإرهاب والعنف الأخيرة وعن استمرارها؟وإن موقف إسرائيل معروف وواضح بأن موجة العنف الأخيرة هي نتيجة قرار استراتيجي للسلطة الفلسطينية فوراً بعد مؤتمر كامب ديفيد،وأن الحكومة الإسرائيلية تسجل أمامها بأن اللجنة حددت بصورة واضحة ضرورة وقف العنف بشكل فوري وغير مشروط،وهكذا فهي تطالب السلطة الفلسطينية أن توضح بشكل علني بأن الإرهاب لا يطاق وغير مقبول،وأن الموقف المعرب في مسودة تقرير ميتشل في قضايا المستوطنات ليس مقبولاً على إسرائيل طالما أن هذا الموقف يتناقض مع ما حدد في الاتفاقات الموقعة،والتي تحدد بأنه يجب مناقشة هذا الموضوع في إطار التسوية الدائمة".
ونص الرد الإسرائيلي الرسمي على تقرير ميتشل مشروطاً وعلى خلفية انتقائية،إذ نص على أن إسرائيل  تقبل التقرير إيجابياً إنطلاقاً من تحفظين:

 الأول:التحفظ على توصية تجميد البناء من أجل التكاثر الطبيعي في المستوطنات.

 والثاني:تحفظ على الانتقادات الموجهة ضد الجيش الإسرائيلي،وضد الشكل الذي يفرق به مظاهرات الفلسطينيين.

 وعاد شارون وأعلن مجدداً رفضه تجميد الاستيطان ودعا إلى هدنة كاملة"وإذا قبل الفلسطينيون هذا الاقتراح لوقف النار سنوقف النار فوراً،واقترح على جيراننا العمل فوراً لوقف النار وآمل أن تتم الاستجابة على هذه الدعوة من قبل الفلسطينيين بإيجاب".

 كما قدمت حكومة شارون اقتراحاً بأن تنفذ في نهاية ما أسمته"فترة التبريد التي سيسود خلالها وقف النار الانسحاب الثالث"وفي المقابل سينفذ الفلسطينيون تعهداتهم الواردة في تقرير ميتشل.

 ومدة هذه الفترة تتراوح بين شهر وثلاثة شهور تعود خلالها أجهزة التنسيق الأمني إلى العمل من أجل الإشراف على تهدئة الأمن وفي نهاية الفترة هذه سيبدأ الطرفان تطبيق خطوات لبناء الثقة".

 وعرض وزير الخارجية الصهيوني شمعون بيريس تصوراً لفترة ما بعد وقف إطلاق النار،ورأى أن هناك حاجة إلى أربعة أو خمسة أشهر قبل معاودة المفاوضات،بحسب المخطط الأساسي لتقرير لجنة ميتشل الذي تلتزمه إسرائيل! وأشار إلى أنه في اللحظة التي يعلن فيها رسمياً وقف النار،تبدأ مرحلة تهدئة تستمر ثمانية أسابيع يطالب الفلسطينيون بجعلها أربعة فقط،وفي تقديره أن الأمريكين في نهايتها سيقترحون تسوية،وكان شارون قد أوضح من جهته أنه في حال استمر إطلاق النار في فترة التهدئة فإن احتساب المدة المخصصة لها سيبدأ مجدداً وأما الفترة الثانية بحسب بيريس في فترة بناء الثقة وتستمر ثلاثة اشهر أخرى يتم خلالها تلبية المطلب الفلسطيني بتجميد المستوطنات،وفي نهاية تلك الفترة وبعد خمسة أشهر على الإعلان الرسمي لوقف النار تعاود المفاوضات السياسية.

 وفي الشكل الأخير لتفسير شارون لتوصيات لجنة ميتشل يقترح شارون أنه بعد فترة تبريد وتهدئة ستنظر إسرائيل في تنفيذ النبضة الثالثة مقابل موافقة الفلسطينيين على تأجيل تجميد الاستيطان، والبنود الأمنية في اتفاقات أوسلو تقول إنه في الظروف الحالية فإن من حق إسرائيل أن تطالب في إطار النبضة الثالثة أن تعود إليها السيطرة الأمنية في المناطق التي نقلت إلى الفلسطينيين في النبضتين السابقتين، وربما أيضاً في المناطق (أ).

 وتتمثل مرجعية هذا التعامل الصهيوني مع توصيات لجنة ميتشل في أن تقرير هذه اللجنة ينحاز مبدئياً إلى الفهم الصهيوني في تشخيص الخلفية السياسية لانتفاضة الأقصى، إذ تم توصيفها على أنها مشكلة عنف –وليس صراعاً- يجب إنهاؤه كما أن التقرير تضمن عبارات غامضة أو مطاطية المعنى من طراز <<إعادة الثقة>> واستئناف المفاوضات بطريقة ذات معنى و<<الاستخدام المفرط للقوة>>، و<<تنظر بعين العطف>> وغيرها من العبارات.

 وهناك خمس توصيات من أصل عشر توصيات تركز على خدمة أمن الكيان الصهيوني، وملخص التوصيات هو الآتي:

 <<1-العمل على إقامة فترة التهدئة. 2-على إسرائيل العودة إلى العمل على فرز وإدانة وردع كل أنواع التحريض. 3-على السلطة الفلسطينية أن توضح للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء من خلال خطوات فعلية أن الإرهاب مدان ومرفوض. 4-أن تبذل السلطة الفلسطينية جهودها مئة في المئة لمنع العمليات ومعاقبة المرتكبين. 5-على إسرائيل تجميد كل نشاط استيطاني بما في ذلك النمو الطبيعي للمستوطنات الجديدة. 6-على حكومة إسرائيل ضمان أن يتخذ الجيش الإسرائيلي ويطبق سياسات وإجراءات لا تشجع الرد القاتل على المتظاهرين الفلسطينيين. 7-على السلطة الفلسطينية مع المسلحين الفلسطينيين من استخدام المناطق الفلسطينية الآهلة بالسكان لإطلاق النار على مناطق ومواقع إسرائيلية. 8-على حكومة إسرائيل فك الحصارات. 9-على السلطة الفلسطينية وإسرائيل صيانة الأماكن المقدسة>>.

 ونظراً لأن تقرير لجنة ميتشل يساوي بين الجلاد والضحية ويقلب الحقائق رأساً على عقب ويقدم بصورة غير مباشرة صك براءة لشارون فإن شارون وبطبيعة الحال سينفذ ما جاء في تقرير ميتشل بما يتلاءم ومصلحته وبشكل انتقائي ومزاجي.

 مأمون كيوان

----------------------------

حكومة شارون

بين الخداع التكتيكي.. والحرب الشاملة على الانتفاضة!!

عبد الله الحسن

<<لا تأمن مغاورة عدوك، إن نأى عنك، ولا مواثبته، إن دنا منك، ولا تكمينه إن انكشف لك، أثب الفرصة إن أمكنتك فإن لها فلتات، وقلما تعود إذا ضيعت، استعد لكل أمر قبل وقته تسلم من خطره، وتجده عند الحاجة إليه>>.

الهرثمي صاحب المأمون (عن أحمد بهاء شعبان)

تقوم العنصرية، والنازية على بعد واحد، لا غير، في ممارسة السياسة لكن شكلها الأكثر تطرفاً، وإيغالاً في البربرية، الصهيونية، يزيد بأن يضفي عليه، صفة القداسة، ليصبح حالة إيمانية توراتية، ترتكز على عبادة <<يهوه>> إله الجند، والحرب لدى التلموديين، فتكون <<القوة هي الحق والحق هو القوة>>، ولا يسمح أبداً لأي بعد أن يحضر إلا بمقدار ما يندرج في خدمة مبدأ <<قداسة القوة>>، لا سيما حين تكون القوة، الأداة الوحيدة لتبرير الوجود وحفظه، وإذا كان مفهوم القوة لدى الأمم والشعوب والكيانات السياسية يستغرق القوة الاقتصادية والحضارية والوحدة الوطنية، والروح المعنوية للأمة، فإنه ينحصر عند الكيان الصهيوني في الجانب العسكري فقط، حتى ارتبط وجوده بالعدوان والاغتصاب، والتوسع والتشريد، والعداء لكل ما هو إنساني على امتداد وجوده. ولعل افتتاحية الغارديان البريطانية، لامست هذه الحقيقة حين قالت: <<إن الدولة العبرية أقيمت في 1948، بثمن مرتفع جداً من انتهاكات حقوق الإنسان، ويجب أن يكون واضحاً أن المجتمع الدولي لا يمكنه تحمل هذا الثمن إلى ما لا نهاية>>، لذا يوصف الكيان الصهيوني، بأنه <<هبة القوة الغاشمة>>، وهذا ما يؤكده في خطاباتهم المسؤولون الصهاينة من بن غوريون، وإيغال آلون وموشي دايان ومناحيم بيغن، واسحق رابين إلى شمعون بيريز وأرئيل شارون..الخ، حيث يقولون: <<إن إسرائيل موجودة في وضع حربي مستمر حتى في الفترات بين الحروب التي لاتنفذ فيها أعمال عدائية>>، وذهب المقتول اسحق رابين إلى حد صك مفهوم <<الحرب النائمة>> للتعبير عن المرحلة التي لا يجري فيها حروب مسلحة مع العرب.

تعبيرات أخرى..

ولا أجد كلمات أكثر بلاغة في التعبير عن السيادة المطلقة لمبدأ <<القوة>> من قول حاييم وايزمن <<إن معجزة إسرائيل الحقيقية هي أن يهوداً تمكنوا من أن يصبحوا جنوداً>>، ومن قول الجنرال جورج بوي في مقدمة كتاب <<تساحال: القوات الإسرائيلية من المليشيات الفلاحية إلى القوة النووية>> في وصف الكيان الصهيوني <<بلد مواطنين ليسوا مسلحين فحسب، وإنما هم مستعدون دائماً للتجمع حاملين السلاح>>، <<لقد وهبت الدولة، إسرائيل ذاتها لجيشها>>، حتى أصبح ذلك الجيش <<العمود الفقري لإسرائيل>> و<<تطور دورها ودوره لكي يتعدى مداه الحيوي، مجال حماية المصالح الإسرائيلية>>. ويتوسل الصهاينة لتطبيق مبدأ <<قداسة القوة>> في ممارستهم السياسية، وكأداة للتعبئة الدائمة لقوى التجمع الاستيطاني، ما يسمى بـ<<عقدة الخوف>>، ولا شك في أن التيارات الصهيونية كافة تسهم في إنتاجها، مع العلم أنها تعبير مضلل، مزيف، يهدف إلى طمس الطبيعة والوظيفة العدوانية لهذا التجمع الاستيطاني. وكمثال على توسل <<عقدة الخوف>> أداة للتعبئة الصهيونية، نشير إلى عنوان مقالة الكاتبة الصهيونية اليسارية في صحيفة <<معاريف>> مانويلا دفيري، في وصف الحالة الصهيونية: <<غيتو المخاوف>>، تقول فيها: <<من الصعب أن تكون إسرائيلياً هذه الأيام، فكارثة تطارد كارثة، وعملية تلحق بأخرى في سلسلة لا نهاية لها من الضربات>> وتضيف أن <<دولتنا التي كانت نبوءتها ترى أنها ستكون مركزاً كريماً، وملجأ آمناً لكل يهود العالم، تحولت إلى خطر على قاطنيها..>> (السفير 2/6). وترتقي <<عقدة الخوف>> لدى المسؤولين الصهاينة لتصبح هي <<عقدة الوجود الصهيوني برمته>>، وفي هذا الصدد يقول شمعون بيريز في مقابلة مع هآرتس (29-5): <<إن إسرائيل تعيش اليوم صراعاً من أجل الوجود>>، وأن <<المشاكل هي وجودية>>.

ولم ينس، في مقابلته، أن يحض التجمع الصهيوني على ممارسة المزيد من القوة كما يبدو من قوله <<لقد شهدنا هكذا أوضاع في الماضي، ولكن حينذاك تجند الجميع من أجل مواجهتها: أذكر حرب التحرير، النقص في السلاح، والقتلى، حينذاك تجند الجميع، واليوم يجب على الجميع أن يتجند، في السابق تجندوا من أجل إنقاذ أنفسنا، واليوم من أجل منع خطر حرب ومن أجل السلام>>.

وتحريض بيريز على التعبئة العامة، ليس نتاج اللحظة السياسية القائمة، وإنما تفرضها مقتضيات الوظيفة العدوانية للكيان الصهيوني، حتى أنه يرى، أي تهاون في هذا الشأن بمثابة تهديد للوجود، وقد أشار لذلك رئيس الأركان الصهيوني الأسبق الجنرال دان شومرن بقوله: <<إن أكبر خطر يهدد شعبنا، يتمثل في تآكل الإجماع الوطني بالنسبة لما نسميه حرب مصير ووجود>> مثلاً الجدال حول ما إذا كانت المستوطنات ضرورية أم لا، أو هل اتفاقية السلام جيدة، أم لا؟ إن ما أخشاه هو أن ينكر الشعب عندما تندلع حرب قادمة، بأن هذه الحرب غير عادلة أو ضرورية، وليست حرب وجود، الأمر الذي سيكون له تأثير حاسم على دوافع القتال>>، وكل ذلك من أجل ما دعاه مناحيم بيغن ذات يوم في إبان غزو لبنان صيف 1982: <<إن الأمة الحرة، ذات السيادة، التي تكره الحرب وتحب السلام، والقلقة على أمنها، يجب عليها أن تخلق الظروف التي تجعل حربها، إذا دعت الضرورة، ليست حرباً لا خيار فيها>> لكن ذلك يقتضي توفير الظروف والمبررات اللازمة لذلك وتتحدد هذه في الاستراتيجية الأمنية للكيان الصهيوني، بثلاثة عناصر <<سياسة إسرائيل الأمنية، ترجمة بدر عقيلي>> هي:

-عامل الزمن وهو بالضرورة ليس العامل الحاسم، بل يكون في الغالب نتاجاً للعاملين الآخرين، أو انعكاساً لهما وخاصة العامل الثاني.

-إرادة الصهاينة.

-الواقع السياسي، الموصوف بكونه <<الوقت السياسي الملائم>>.

تكتيكات شارون، مقدمات الحرب الشاملة

لا يشك أحد في حقيقة أن تكتيكات شارون السياسية، الصورية، والوهمية، المدعوة <<سياسة ضبط النفس>>، تندرج في سياق توفير الفرصة الملائمة، واللازمة للكيان الصهيوني للانتقال باستراتيجية الحرب ضد الشعب الفلسطيني، وانتفاضته المباركة، من الحرب المحدودة، المنخفضة الوتيرة، إلى الحرب الشاملة العالية الوتيرة، وتظهر هذه الحقيقة جلية في مقال الكاتب الصهيوني عوزي ينزيمان في صحيفة هآرتس (1-6): <<إن الانطباع الناشئ عن أقوال الجنرال شاؤول موفاز في المداولات الداخلية ما زال على حاله، فإعلان وقف إطلاق النار معد بين أمور عديدة لخلق الأرضية المناسبة لتشديد رد الفعل العسكري الإسرائيلي على الاستفزازات الفلسطينية>>، ويستطرد: <<المهمة الحالية هي إقناع العالم بعدم منح شرعية للإرهاب، ولهذا السبب امتنع شارون عن الإعلان نهاية وقف إطلاق النار، وأخذ على عاتقه الانخراط في الخطوة السياسية التي يقودها بيريز، وهي خطوة تمتد من واشنطن عبر موسكو إلى استوكهولم>>، وتبرز هذه الحقيقة في أقوال الجنرال موشي يعلون، نائب رئيس الأركان الصهيوني خلال محاضرته يوم (20-5) في جامعة تل أبيب، وإن جاءت في صيغة ضبابية، إذ يقول: <<إن الجيش لم يستخدم كل خططه التي أعدها رداً على التصعيد في المواجهة مع الفلسطينيين>>  وقال <<من خلال معرفتنا للقدرات العسكرية، فإن المواجهة تحتاج إلى رد مختلط سياسي، عسكري، اقتصادي، إعلامي ديبلوماسي>>، ولم يتوان في محاضرته على تحريض للمجتمع الاستيطاني على الخروج إلى الحرب الواسعة والشاملة بقوله: <<إن الجيش الإسرائيلي يعتبر في الشرق الأوسط قوياً، متقدماً وحديثاً، خلافاً للتجمع الإسرائيلي الذي يعتبر مجتمع رفاهية، عديم القدرة على الصمود، ولذلك تفضل أوساط في الشرق الأوسط أن تستخدم مع إسرائيل مواجهة بقوة مخففة بدل مواجهة شاملة>>.

ويكمن في خلفية التكتيك الشاروني، دافع أساسي، يتلخص في أن الصراع الجاري والمحتدم على أرض فلسطين، وبالتحديد منذ اندلاع انتفاضة الأقصى، يجري في ظروف من الشفافية التامة، فقد نجح الإعلام في عولمة الانتفاضة، بحيث لم تعد حاضرة، بصورة يومية لدى الرأي العام العالمي، فحسب، بل وحطمت بعض المفاهيم التقليدية لديه، وخصوصاً تلك الصورة النمطية، عن الصهيوني باعتباره ضحية، يرمز إليه بـ<<داود>>، والعربي، والفلسطيني خاصة، باعتباره العملاق <<جوليات>>، إذ باتت وسائل الإعلام العالمية بالرغم من تحيزها ضد الشعب الفلسطيني، أو قصورها، وبحكم الخلل في ميزان القوى يظهر الصهيوني بصورة <<جوليات>> المسلح حتى الأسنان في مواجهة <<داود>> فلسطيني صغير، لكنه يظهر الشجاعة والتصميم، وهو ما أشار إليه، الجنرال الاحتياط، مدير شعبة الاستخبارات العسكرية الصهيونية، السابق، شلومو غازيت (الدستور 27-5)، الذي يرى أن <<المواجهة الراهنة ستقرر بعاملين: الإعلام والساحة الدولية، والنطاقان محكما الارتباط الواحد بالآخر>>، ويتساءل في ختام مقاله <<لصالح من يسير الزمن؟>> ويقول <<لدي جواب واحد فقط لقد عمل الزمن، وسيبقى يعمل لأي طرف يستطيع استخدام واستغلال نقاط تفوقه، وتفادي قدر الإمكان التخطبات الميدانية والسياسية والإعلامية>>.

المبررات.. والدوافع الشارونية

والأكيد أن شارون يريد أن يكون الزمن لصالحه، وسبق أن قال في إحدى مقابلاته الصحفية <<إن الزمن يعمل لصالحنا، وليس لصالح العرب>>، لذا هو يعمل من أن أجل يستعيد الصورة التقليدية للصهيوني في وسائل الإعلام، الصهيوني <<داود>> ضحية <<الإرهابي>> العربي، <<جوليات>>، كما أنه يريد تفعيل ما يدعوه المفكر العربي المصري د.عبد الوهاب المسيري <<العقد الصامت بين الحضارة الغربية والحركة الصهيونية>> الذي يعرفه في موسوعته الشهيرة (مج6) بأنه <<عقد ضمني غير مكتوب ولا يتم الإفصاح عنه أو التصريح به.. ويعبر عن نفسه من خلال سلوك الأفراد والجماعات والمؤسسات>>، ويقوم على <<رعاية المشروع الصهيوني ودعمه في الهيمنة على يهود العالم الغربي>> وقد عبر المعتد عن نفسه عبر تاريخ الصهيونية من خلال <<مذكرات تفاهم واتفاقيات عسكرية واستراتيجية ودعم عسكري ومالي وسياسي فعلي>>. أما المبررات الشارونية للانتقال من الحرب المحدودة إلى الحرب الواسعة الشاملة، فيكمن في عجز الأولى عن إنهاء الانتفاضة، أو التأثير السلبي عليها، حتى بدت كمن يصب الزيت على نار الانتفاضة، رغم الثمن البشري والاقتصادي الفادح، وتطورت من انتفاضة شعبية مقاومة إلى انتفاضة مقاتلة، تمارس حرب عصابات مسلحة ضد قطعان المستوطنين على كامل رقعة فلسطين التاريخية، في مقابل وقوع الكيان الصهيوني في مأزق كبير، لم يعد يستطيع أن يتحمله، وقد أوضح ذلك الكاتب الصهيوني داف غولد شتاين في صحيفة (معاريف) (23-5) بقوله: <<إن الحرب الطويلة تستنزف قوانا وتضعف من صمودنا>>، غير أن ثمة مبرر آخر، يرتقي إلى مستوى المبررين الآخرين، إن لم يبزهما، وهو الهجرة الكبرى الجديدة، المرتقبة إلى الكيان الصهيوني والمقدرة بمليون مهاجر يهودي جديد، والتي جعلتها حكومة شارون في سلم أولوياتها، لا بل ودعت إلى أن تكون أولوية مطلقة بالنسبة إلى كل الحكومات الصهيونية، وحددت مدة زمنية لإنجازها تتراوح ما بين (10-13) سنة، وإذا كان الكيان الصهيوني بالعدد الحالي (6.4) مليون نسمة يعاني من أزمة حادة في المياه، اضطرته إلى رفع تسعير المياه بنسبة 48% للمزارعين و 67% لمستخدمي المنازل، فإن السؤال كيف سيكون الحال عليه مع الهجرة الكبرى الجديدة المحتملة؟ بالتأكيد الكيان الصهيوني أمام معضلة آنية ومستقبلية، ولن يتخلص منها إلا بالحرب، وبفرض الإذاعان على الدول العربية المحيطة بفلسطين للأطماع الصهيونية، وممارسة سياسة <<الترانسفير>> طرد وترحيل الفلسطينيين خارج وطنهم فلسطين إلى شرق الأردن على سبيل المثال، وفي هذا الصدد يقول عوزي أراد المشرف على إعداد وثيقة، <<ميزان المناعة والأمن القومي: اتجاهات للسياسة>>، الصادر عن مؤتمر هرتسليا في أوائل شهر آذار العام الجاري، <<إن الترانسفير هو مفهوم اعتباطي، فالفلسطينيون قرروا التمتع بنسبة التكاثر الطبيعي الأعلى في العالم، رغم أنه لا يتوافر لهم الوسائل المناسبة لذلك، وهم يحتشدون في رقعة أرض مكتظة. إذن ما الذي ينبغي أن يفعله الناس الذين يريدون الخير لهم؟ إن بقاءهم في قطاع غزة يفرض عليهم الفقر. وإذا كان نقلهم من غزة مرفوضاً لأن هذا يبدو ترحيلاً، فإن هذا يعني أن قدرهم هو البقاء في معسكر اعتقال، وهل ينبغي رفض حل إنساني فقط بسبب أنه قد يبدو ترحيلاً؟>>!! (هآرتس 23-3 عن السفير 26-3). فالحرب هي أفق التكتيكات الشارونية، الصورية، والوهمية القائمة الآن، وهذه بدورها ليست، وكما أسلفنا إلا مبررات، وممهدات لها، ألم يقل شارون ذات يوم: <<إننا لا نستطيع توجيه حرابنا للعرب، وشن حرب عليهم دون مبرر كاف>> ليضيف إليه <<إن مشكلة إسرائيل متفردة في طبيعتها، لكون مجرد وجودها يستخدم ذريعة، ومبرراً لشن الحرب عليها، أي أنه طالما بقيت قائمة، فإن سيف الحرب سيبقى مسلطاً فوق رأسها>>، وهذا يعني أن شارون سيعيد إنتاج استراتيجية بيغن حول <<حرب الخيار>> كما حصل في اجتياح لبنان صيف 1982، لكن هذه المرة بصيغة <<حرب اللاخيار>> مع أن لا فارق بينهما على الإطلاق إلا من ناحية اللفظ، وهذا هو نتاج الفكر الصهيوني المعروف بمراوغته وقدرته على الخداع، لكن استعمال مفهوم <<حرب اللاخيار>> له وظيفة، وهي تلافي الإشكاليات التي واجهت الاجتياح الصهيوني لبنان، وخير من يعرف هذه الاشكاليات شارون باعتباره كان وزير الدفاع في حكومة بيغن. والمعروف أن بيغن أوضح خلال كلمة له قبل حرب 1982 وتحت عنوان <<حرب الخيار: حرب اللاخيار>> الأسس التي تقوم عليها هذه النظرية وهي: (سياسة إسرائيل الأمنية، تحرير زئيف كلاين):

-إن ثمن حرب اللاخيار أكبر كثيراً من حرب الخيار.

-أخطار الدمار أوسع وأكبر في حرب اللاخيار.

-الإنجازات السياسية التي يمكن تحقيقها من حرب الخيار، هي إنجازات واضحة ومعروفة.

ويحدد بيغن ثلاثة حروب خاضها الكيان الصهيوني تحت عنوان <<حرب اللاخيار>>، وهي حرب 1948، وحرب تشرين 1973، وحرب الاستنزاف في أعقاب نكسة حزيران، أما حروب الخيار فهي 1956 و1967. ويقول في هذا الصدد: <<لو سقط لنا عدد من القتلى في حربي الخيار اللتين خضناهما عدد مماثل من القتلى في حروب اللاخيار، لأصبحنا شعباً من الأرامل واليتامي، ولما بقي لدينا من القوة ما يمكننا من الوقوف في وجه العالم، ومن المعروف أن شارون مغرم، بإعادة إنتاج سلوكياته، وسياسته القديمة في صياغات جديدة، في سياق الحرب الصهيونية المجرمة على الشعب الفلسطيني وانتفاضته المباركة، فما أن تولى رئاسة الحكومة الصهيونية حتى عمد إلى تطبيق خطته في تصفية المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة في السبعينات لكن تحت مسمى جديد <<غيلواج>> الحلاقة، والتي ليست إلا التعبير الشاروني عن سياسة الأرض المحروقة، المعهودة في سلوكيات الاستعمار في مواجهة نضالات الشعوب في سبيل إنجاز تحررها الوطني. لكن إذا كانت الشارونية هي مشروع حرب مفتوحة على الشعب الفلسطيني وانتفاضته المباركة، والأمة برمتها، فإن السؤال الذي يفرض نفسه لماذا قبل البعض الانصياع للتكتيك الشاروني؟ ووافق على وقف إطلاق النار بدون قيد أو شرط في أعقاب المآثرة الاستشهادية في تل أبيب، والتي أسفرت عن مقتل (20) مستوطناً صهيونياً وجرح أكثر من (100) آخرين، هل هي مقتضيات الحفاظ على كرسي السلطة؟ وهل السلطة هي أغلى من الوطن؟ أم أنها تندرج في سياق التباري على كسب تعاطف الرأي العام العالمي؟، وهل الانصياع للإرادة الصهيونية هو الطريق إلى ذلك؟ استذكر هنا قول السيد المسيح (عليه السلام): <<ماذا يفيد الإنسان لو كسب العالم وخسر نفسه>>‍، وخصوصاً أن الإعلان عن وقف إطلاق النار من جانب السلطة الفلسطينية أضاف أوراقاً جديدة لمساعي شارون في ترميم صورة الصهيوني في وسائل الإعلام، وأعاد طرح مسألة الصراع بصورة مغلوطة، فبدلاً أن يكون محوره حقوق الشعب الفلسطيني في تحرير وطنه، غدا محوره أمن الكيان الصهيوني ومستوطنيه وكيفية صيانتهم، كما أنها تساهم في تمليك الصهيوني وإمبراطوريته الإعلامية العالمية المبررات لإعادة إنتاج صورة الفلسطيني <<الإرهابي>> و<<المعتدي>> بدل من المناضل على الصهيوني <<الضحية>> وهذا خسارة كبيرة للانتفاضة ولتضحياتها، ومكسب مجاني للعدو الصهيوني، فضلاً عن ذلك فإن الانصياع لسلوك المجرم لا يزيده إلا إصراراً على إجرامه، والتاريخ يحفل بشواهد كثيرة ولعل تاريخنا الوطني الفلسطيني، والعربي هو الأكثر غنى بالشواهد الدالة على ذلك، فالخيار الوحيد لدرء الإجرام الشاروني هو تصعيد الانتفاضة، والكفاح المسلح، وتوفير الغطاء العربي الرادع لاستراتيجية العدو الصهيوني في تفجير الحرب الشاملة، ومحاولة تخليص العدو من مأزقه الوجودي الذي تفاقم بفعل انتفاضة الأقصى

----------------------------------