أوراق:

فلسطين القطر القلب..

خيري الذهبي

 

الآن ونحن نرى العربدة الصهيونية-الامتداد الأورو- أمريكي في الوطن العربي بسبب عجز الدولة القطرية، غير القادرة على الرد على التحدي الصهيوني، حتى بات أقصى عطائها: ويا للهزل.. هو المبادرة الأردنية –المصرية لتصفية الانتفاضة وهدر كل هذا الدم المقدس والثمين.

الآن وقد وصلت الدولة القطرية إلى أقصى ما خطط لها وأرتآه كل من سايكس وبيكو وصانعو الحدود القطرية.
الآن  وقد استنفذت الدولة القطرية كل إمكاناتها في تكريس التجزئة والتفتت.

 الآن وقد وصلت الأمور إلى هذا الحد ألم يئن الاوان للمراجعة والقراءة والبحث عما أوصلنا إلى هذا الحضيض.

احتاجت اوروبا بعد زوال الأمبراطورية الرومانية الجامعة لأقطارها ولغاتها وأديانها إلى ألف وخمسمئة عام حتى تحل أزمة هويتها الاجتماعية والسياسية، تلك الهوية التي أراحتها فيما مضى تحت الاسم الكبير الأمبراطورية الجامعة الرومانية.

من هذه الألف وخمسمائة سنة أنقضى منها في أوروبا ألف عام حتى استقر فيها النظام السياسي على شكل الدولة –الأمة، وحوالي خمسمئة سنة أخرى حتى تقرر من هي الأمم التي تملك الحق بتشكيل الدولة،ومن هي الأمم التي لا تستحق هذا الحق.

احتاجت أوروبا وهي النموذج الذي تحاول الدول القطرية العربية المعاصرة ومفكروها ومنظروها ومثقفوها، احاجت إلى صراع وحروب وثورات ومجازر وهي تحاول حل السؤال الذي يقول: كيف تنجو المدينة من غارات وصراعات العصابات المتقاتلة والمافيات المتنافسة، وهل يكون الحكم للكنيسة أو للدولة، هل يكون الحاكم هو البابا، أو الإمبراطور، هل تسود الكاثوليكية أو البروتستانتية العالم المسيحي، هل يكون الولاء والطاعة لإمبراطوريات تحكمها سلالات أعطاها القدم شرعيتها، أو للدولة القومية أو القطرية أو لدويلات المدن، وعلى سبيل المثال هل يكون ولاء الألزاس لألمانيا التي ينتمي إليها باللغة، أم لفرنسا التي ينتمي إليها بالدولة القطرية والسوق والثقافة، هل يدين المواطن في مدينة أيجون إلى الأمة البورغندية أو إلى الأمة الفرنسية، إلى آخر تفاصيل القوميات والأثنيات والمذاهب.

بعض الخلافات في العالم تكون عادة على الحكام أو على الحدود، ولكن في هذه الرقعة ألتي أنجبت كل الأديان وكل الانشقاقات وتحملت وزر كل الحروب الدينية،في هذه الرقعة مشاكل أكثر حدة وأكثر تجذراً.

فها نحن نرى أنهار الدماء التي لم تتوقف منذ بدايات القرن في فلسطين العربية، والسؤال الذي يفرض نفسه هو لو لم تسقط الدولة العثمانية أو لو أعيدت صياغتها عربياً فهل كنا سنشهد كل هذا االاحتقان والدم والحروب بين نظامٍ لم نعرفه ولم نرغب به ولم نتمنه وأعني الدول القطرية التي أخفقت في الاستجابة لكل تحديات العصر-النمو الاقتصادي، السوق المشتركة،مستوى دخل المواطن العربي، كمية الحرية التي يتمتع بها،كمية الكرامة التي يستحقها،كمية المشاركة بالحلم،المشاركة الحقيقية،لا مشاركة الاستفتاءات ولا الانتخابات المعدة مسبقاً.

السؤال الآن أوروبا وجدت حلها في السوق الأوروبية المشتركة ثم في البرلمان الأوروبي الموحد ثم في المحكمة الأوروبية ثم في العملة الأوروبية ثم في الاتفاقية التي رفعت تأشيرات الدخول عن كل الدول الأوروبية المتعاهدة،وهاهي تقضي على وتدمر معبودنا في الدول القطرية، أعني الدولة القطرية العاجزة التي نعيش في كنفها.

ألا يجدر بنا نحن أحفاد من خدعوا وعبث بعقولهم فاقتنعوا بالدولة القطرية؟ ألا يجدر بنا أن نبحث عن حل في التخلي عن الدولة لاقطرية والنظر إلى فلسطين على أنها ليست القطر الجار بل القطر القلب.

-----------------------------------------