زهر الشوكران والمفتاح

لا أعرف لماذا استوقفتني كلمات العجوز أبي محمود، وهو يتحدث مع أترابه في أحد شوارع المخيم الفرعية؟

سمعته مصادفة، لكن كلماته الغامضة ما فتئت ترن في أذني، تبعث في نفسي الحيرة.

قال العجوز: يا جماعة.. ما يحدث اليوم في فلسطين شبيه بزهر الشوكران. لحظتها أذكر أنني مررت مسرعاً لأمر ما، ولم أستطع أن أتطفل على العجوز، وأسأله ماذا يعني بتلك الكلمات؟

لا أخفيكم أن كلماته أشعلت في سهول روحي رغبة عجولة في المعرفة لا تني، تتوقد وتزيد قلقي.

طرقت باب بيت أبي محمود الذي رحب بي دون أن يعرفني، رغم أنني أعرف أولاده: شرِّف..تفضل.

دخلت الغرفة التي تتصدرها صورة المسجد الأقصى تعلو مفتاحاً كأنه مدهون حديثاً بالزيت. بعد الاستفسار عن صحته وأولاده وأحوالهم، بادرته بالسؤال الذي كان يحيرني: يا عم سمعتك البارحة تقول إن ما يحدث في فلسطين اليوم شبيه بزهر الشوكران. ارتاحت أسارير العجوز وراحت ابتسامته ترتسم على شفتيه، ثم غرق في بحر صمت.

أمهلته قليلاً ثم ربَّت على يديه.. عاد وانتشل نفسه مما كان فيه قائلاً: نعم.. ما يحدث في بلادنا مثل زهر الشوكران.

إلحاح دفعني إلى السؤال: وما هو هذا الزهر يا عم؟

قال ويداه تساعدان على الوصف: زهر الشوكران يا بني ورد يخفي خلف أوراقه أشواكاً تدمي اليدين، ورغم أن هذه الزهور تتشكل بأشكال الورد وتتلون بألوانها الزاهية، فهي تخفي في طياتها السم الزعاف، وكل من يلمسها يموت.

مرة أخرى سألت: وما هي علاقة هذه الزهرة بما يجري في فلسطين؟

هزَّ رأسه، ثم أجاب والرصانة والوقار تحتلان وجهه: اليوم وبعد تسعة أشهر من الانتفاضة، تأتينا أسماء غريبة <<ميتشل>>و<<تينيت>> تومئ لنا بأنها تجلب الهدوء والطمأنينة والسلام.. وتوهم العالم أنها تقدم لنا زهراً حقيقياً، ولكنها في الحقيقة تقدم لنا الموت من خلال زهر الشوكران.

حدثت نفسي: العجوز لا يغرق في الوهم.. العجوز يعرف الفرق بين القمح والزيوان، قدم لي فنجاناً من القهوة المرة.. نهضت.. صافحته مودعاً، وقلت له: الآن أطفأت ناراً اشتعلت في داخلي طوال الليل.. خطوت خطوتين، ثم استدرت: يا عم متى نحصل على الورد الحقيقي؟ نظر العجوز إلى المفتاح المعلق على الحائط وقال: عندما أفتح بهذا المفتاح بيتي في عكا.. وعندما تفتح مفاتيحنا التي خبئناها طوال عقود، أقفال بيوتنا في فلسطين.

خالد بدير