مملكة الرب

خيري الذهبي

هل نحن الآن في القرن الحادي والعشرين بعد ميلاد ذلك الوديع ابن العذراء عيسى هل نحن الآن في الألفية الثالثة ألفية العدل والسلام كما يرى البعض، أم ألفية الدمار وانتهاء بني الإنسان من هذه الأرض التي كانت تسمى يوماً بالكوكب الأخضر.

في هذا النوسان العجيب بين محاسبة ومحاكمة ميلوسوفيتش ومجرمي حرب البلقان حتى ليحس الضعيف وابن الدول الفقيرة الضعيفة المسماة بالعالم الثالث أن هناك يوماً بهيجاً للإنسان سيحاسب فيه المجرم على جريمته هنا والآن وفي هذه الارض، ولكن الطرف الآخر للنواس يرينا هذا المجرم الفاسق الشرير الخارج من شق عجيب من التاريخ وكأن الحضارة والثقافة والفلسفة وحقوق الإنسان وعصبة الأمم وهيئة الأمم لم تقدم له شيئاً على الإطلاق، هذا الوحش المسمى شارون، والذي لا يمكن لإنسان عاقل مقارنته بمخلوق آخر على هذه الأرض، إلا بذلك الوحش الذي كان يسمى بويشع بن نون، والذي أمر عند فتح أريحا بقتل النساء وشق بطون الحوامل حتى لا تكون هنالك فرصة مهما قدرت لطفل أن يخرج إلى الحياة فيذكر ذلك الوحش بجرائمه، أمر بقتل الرجال، كل الرجال، وأمر بقتل الحيوانات كل الحيوانات، ثم لم يسترح حقده حتى أمر بحراثة الأرض وزرعها ملحاً حتى لا تنبت من بعد.. يا الهي.. هل نرى عجباً في هذا الحاقد المسمى شارون والذي قرأ عن جده يوشع وحفظ الدرس جيداً.

ما يرعبني وأنا المتأمل الآن هو هذا الدور الذي تلعبه الكتب التي كتبها حاقدون محبطون اسمهم الحاخامات أو حكماء بني "إسرائيل"، حاقدون فقيرون من كل موهبة إلا الدعوات على هازميهم ومحطمي ملك قزم سرقوه في غفلة من التاريخ ولزمين صغير من التاريخ فصنعوا مملكتين سموهما يهودا وإسرائيل.

ما يرعبني هو حين أرى دولة عظيمة وحيدة في التسيّد على هذا العالم اسمها الولايات المتحدة، دولة تملك أعتى الصواريخ وأشد الرؤوس النووية قدرة على تدمير الكرة الأرضية كلها آلاف المرات، دولة تملك من المال ما يمكنها من شراء هذه الأرض كلها بصينها وهندها وأوروباها وأفريقيتها، أن تشتريها بالمزاد العلني، دولة بلغت من القوة الحربية والمالية ما لم تبلغ دولة في التاريخ سابقاً ولاحقاً.

ولكن.. يا للأسف تصوروا أن دجاجلة من الناس عجيبين هم من يسيرون الفكر والوجدان فيها، دجاجلة منهم مؤلف اسمه <<هول لندسي>> الذي وضع كتاباً أسماه <<آخر كرة أرضية عظيمة>> هذا الكتاب الذي باع منه مؤلفه خلال سنوات قصيرة أكثر من عشرين مليون نسخة وحتى نهاية السبعينات فقط وقد بيع منه في ربع القرن الماضي أكثر مما بيع من الكتاب المقدس بعدة مرات.

وأهم فكرة في هذا الكتاب، وهي الفكرة الاساسية التي لا يفعل الكتاب إلا أن يمهد لها ويشرح ويفسر هي: <<إن الله قضى على أميركا أن تخوض غمار الحرب الأخيرة والتي ستكون نووية، وهذه الحرب هي معركة هر مجدون>> تلك المعركة التي يستند المؤلف فيها إلى فقرة وجدت في سفر حزقيال في التوراة والتي تقول: إن أرض إسرائيل سوف تتعرض إلى هجوم تشنه عليها جيوش تابعة إلى دول لا تؤمن بالله، وهذه الدول ليست إلا يأجوج ومأجوج ويفسرها المؤلف على أنها الاتحاد السوفيتي وبث تاكورما التي يفسرها المؤلف على أنها أرمينيه وبوت التي يفسرها المؤلف على أنها ليبيا وروش التي يفسرها المؤلف على أنها أثيوبيا وغومر التي يفسرها المؤلف على أنها اليمن وإيران.

وحين يتحدثون عن السلام يقولون: لن يكون هناك سلام حتى يعود المسيح. إن أي تبشير بالسلام قبل هذه العودة هو هرطقة إنه ضد كلمة الله، إنه ضد المسيح.

وهم يصرون على أنه حتى يعود المسيح إلى الأرض فلا بد أن يعود اليهود إلى فلسطين-صهيون ويقيموا دولتهم والتي لن تتجلى إرادة الله العظيمة إلا حينما تمتد هذه الدولة من الفرات إلى النيل. هذا الفكر الغوغائي المغلف بالديني والذي يسود أعتى الرؤوس متخذة القرارات في سيدة العالم عسكرياً حالياً أميركا كيف لنا أن نخاطب مثل هؤلاء الناس فنذكرهم بالعدالة والوطنية والإقامة في الأرض والتجذر بها لآلاف السنين.

هؤلاء الناس الذين أعماهم الهوس الديني الغوغائي لا الدين بمعناه الروحي الجميل المتسامي القائم على الحب، بل الهوس الديني المبشر بيوم الدمار الشامل للكرة الأرضية والتي ستقوم بعدها مملكة الرب، فهناك في السماء وعند الرب مخططان لسكان الارض –حسبما يرى عتاة الأيديولوجية الهرمجدونية- مخطط لمملكة إسرائيل وهي التي قامت وتقوم وستقوم على الأرض، ومملكة السماء وهي لهؤلاء المسيحيين الذين سينجون بعد المذبحة وسيحملهم المسيح إلى مملكته التوراتية، مملكة الحياة الأبدية.

إذن.. الخطة هي كما يلي، علينا –على هؤلاء المهووسين- أن نسعى بكامل أموالنا وطاقاتنا لإقامة مملكة الرب الأرضية إسرائيل وبكامل أطماعها، وعندئذ ستقوم معركة هرمجدون وسيدمر العالم، ولكن مئة ألف وبضع عشرات الألوف من الأطهار الأميركيين سيتحقق لهما الحلم الكبير بالمملكة الأبدية مملكة السموات، ولا بأس حتى يتحقق ذلك من دمار كل ما أنتجه البشر من شعر ودين وفلسفة وعمارة، فما كل هذه التفاهات أمام مملكة إسرائيل الأرضية، ومملكة الأطهار المسيحيين في السماء.