<<بالذخيرة الحية>>

رواية تصور الجيش الصهيوني على حقيقته

ليس أفضل في إدانة الخصم من أن يؤخذ بهفوات لسانه سواء أكانت عفوية أم متعمدة.. أو كما يقولون<<من فمك أدينك>>.. وها هو الشارع الثقافي في الكيان الصهيوني وخارجه في أوروبا خصوصاً يؤخذ بظاهرة الإقبال الشديد على قراءة رواية كتبها مراسل عسكري سابق لجريدة <<يديعوت أحرونوت>> اسمه <<رام أروين>> تحت عنوان <<بالذخيرة الحية>>، والتي ترجمت إلى الفرنسية مؤخراً وظلت تحتل رأس قائمة المبيعات طوال ستة وثلاثين أسبوعاً..

فماذا في هذه الرواية الجذابة إلى هذا الحد؟..

تدور الأحداث في قلب تل أبيب وهي مجموعة من الأبنية تسمى هناك <<القرية>> وتضم زبدة الأوساط الأمنية الصهيونية ومكاتب وزارة الحرب والمخابرات، والأحداث مزيج من العلاقات الاجتماعية والعاطفية والجرائم بالمطامع على خلفية واسعة من تجارة الأسلحة والرشوة.

ومن خلالها يستطيع القارئ النبيه التعرف على الجنرالات الفاسدين إما بالرشوة أو الإثراء غير المشروع وغيرها من الأساليب التي لطخت سمعة <<العصمة>> التي كانت تحيط-كما يزعمون-بالجيش.

إن النجاح الأساسي لهذه الرواية هو إذن في وصف الجيش:<<هذه الآلة البيروقرطية الضخمة الواقعة-كما في قول أحد النقاد الفرنسيين-على بعد سنوات ضوئية من صورتها الأسطورية>>..

أما الفلسطينيون فيغيبون نهائياً عن الكتاب، وهذا كما يبدو ليس من قبيل المصادفة، فالمؤلف يعرف أنه بالمستطاع العيش يومياً في الدوائر الأمنية العليا في تل أبيب من دون <<أن تتجابه باستمرار مع هؤلاء الجيران>> أو <<الآخر>> بالمفهوم المجرد والمزعج في آن واحد..

هذا ما يطالعه اليوم الشارع الثقافي في الكيان الصهيوني وبعدها في فرنسا ودول أوروبية أخرى، ولا شك أن صورة جيش العدو لن تسلم من الخدوش إذا لم نقل من التلطيخ بالأسود!

 

المحرر الثقافي  

آخر الكلام أوله

<<الحقيقة>> الأميركية

شوقي بغدادي

<<لم تبد أميركا مبعدة عن إدراك الحقيقة مثلما حدث لها يوم واجهت الجرعة الفظيعة لحقيقة يوم الثلاثاء الحادي عشر من شهر أيلول الفائت..>>

قرأت هذه العبارة في مقالة منشورة في الجريدة الفرنسية المشهورة <<لوموند>> تاريخ 17/9/2001 لكاتبة أميركية نيويوركية اسمها <<سوزان سونتاج>> ووقفت حيالها طويلاً أتأمل مغزاها العميق.. ويا له من مغزى!..

كان واضحاً مما قرأته أن الكاتبة تشكو من هوة سحيقة تفصل المواطن الأميركي عن حقيقة ما يجري حوله في بلده أو في العالم، ذلك لأن أجهزة الإعلام هناك قد تكفلت بتجهيله في تغييب <<الحقيقة>> عنه وتقديم <<حقيقة>> ملفقة بدلاً عنها. أما الحقيقة المغيبة فهي الطبيعة المتوحشة للنظام الأميركي في تعامله مع دول العالم أجمع-خدمة لمصالحه!- وخاصة الدول النامية المستضعفة فيما يسمى دول العالم الثالث والتي صنعت لها سمعة في منتهى الرداءة وكراهية لا حدود لها. هذه الحقيقة يكاد المواطن الأميركي العادي لا يعرف عنها شيئاً، والشيء الوحيد الذي يعرفه هو ما تقدمه الصحف ومحطات التلفزيون الكثيرة هناك على أن بلاده هي رائدة التقدم في العالم وحامية حمى الحرية والديمقراطية والعدالة.

هذه الحقيقة المزيفة سقطت، أو كادت تسقط تماماً مع سقوط برجي البناء الأعلى في نيويورك لمركز التجارة العالمي. لقد كانت صدمة المواطن الأميركي أعمق وأعقد من أن تبسط بوصفها صدمة الرعب والحزن فقط.

لقد حدثت أشياء أخرى في وعيه إذ اكتشف كما يحدث في عمليات السحر أن بلاده مكروهة جداً لدرجة أن يجمع عشرون إنساناً-تقريباً-على التضحية بأرواحهم تعبيراً عن نقمتهم على أميركا، ولكي يوصلوا قضيتهم كممثلين لشعوب مغلوبة على أمرها أن أميركا غدت العقبة الكأداء والأشد عناداً وقسوة في وجه مستضعفي الأرض لإبقائهم في حالة التمزق والتخلف.. وها هي أجهزة الإعلام الغربية تنشط الآن أكثر من أي وقت مضى لإعادة المواطن الأميركي إلى حالة الجهل بالحقيقة في تأكيدها بأساليب متخلفة على أن ما حدث ليس سوى عمل <<جبان>> وضد <<الحضارة>> أو <<الحرية>> أو <<الإنسانية>> وليس ضد الولايات المتحدة ذاتها كنظام سياسي متسلط هو الأفظع والأقوى من نوعه في تاريخ البشرية.

إن الأميركيين يكادون مثلاً لا يعرفون شيئاً عن القصف المتواصل على العراق من قبل الطائرات الأميركية والبريطانية، ولا عن عمليات القتل والتخريب غير الإنسانية التي تمارسها سلطات الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني سوى أنها دفاع مشروع عن النفس وعن الحضارة <<الأرقى>>.. وإلا فمن هم الذين يستحقون أن يوصفوا بالجبن-كما تقول الكاتبة الأميركية-الطيارون الذين يقصفون العراق من بعيد ومن أعلى الفضاء وهم آمنون من مدفعية لا تطالهم أم هؤلاء الذين ارتضوا التضحية بحياتهم فوق أبراج نيويورك و<<بنتاغون>> واشنطن في سبيل أن ينالوا من خصمهم القوي ولو كان ذلك مجرد جرح دام في جسده المتين!.

غير أن أجهزة الإعلام الغربية عموماً فقدت كما يبدو الكثير من قدراتها على الإقناع بعد ضربة 11 أيلول، وصار ضرورياً أن تزيف الحقيقة من جديد بأساليب جديدة، ولكن هيهات.. ذلك لأن من يبصر ضوء الحقيقة مرة واحدة سيراها باستمرار، أو سيفتش عنها دائماً، ولا بد أن يسطع بريقها أمام عينيه!.

---------------------------------------------

أدب المقاومة:

            <<جوزيه ساراماغو>> في رواية <<سنة موت ريكاردو ريس>>

العالم مشرف على الهلاك والبطل يتفرج

ممدوح عزام

جاء الكاتب البرتغالي <<جوزيه ساراماغو>> الحائز على جائزة نوبل للأداب لعام (1918) إلى الأدب متأخراً، وقد أصدر روايته الأولى عام 1976 وكان عمره أربعة وخمسين عاماً وقد قال في حوار له نشر في مجلة <<الكرمل>> العدد 43، أنه في لحظة ما من عمره، وكان في الثالثة والخمسين قال لنفسه: <<الآن يا جوزيه أو أبداً>> وكان يعني إما أن يكتب رواية أو لن يكتب بعد ذلك، وهكذا كتب روايته الأولى <<وجيز الرسم والخط>> ثم اتبعها بعدد آخر من الروايات من بينها <<سنة موت ريكاردو ريس>> التي نال بفضلها جائزة نوبل. ولا بد قبل أن ندخل عالم الرواية من أن توضج من هو <<ريطارد ريس>> الذي منحه الكاتب عنوان روايته. وريكاردو ريس هذا هو اسم مستعار للشاعر البرتغالي <<فرناندو بسوا>> وهو شاعر توفي عام 1936 وشاء أن يوقع أشعاره بأكثر من اسم مستعار، جعل لكل واحد منهم هوية خاصة به، وعملاً مختلفاً وكتب باسمه شعراً مختلفاً عن شعر الآخرين. ومن تلك الأسماء <<البرتو كاييرو>> وهو معلم، و<<الفارو دو كامبوس>> وهو مهندس مستقبلي، و<<ريكاردو ريس>> وهو طبيب يعمل في البرازيل. ولكل من هذه الشخصيات الوهمية صوت مستقل وفرادة خاصة به. ويقول الروائي <<ساراماغو>> بأنه قرأ لريكاردو ريس ذات يوم شعراً أو قولاً يقرر فيه ما يلي: <<حكيم هو من يكتفي بالتفرج على العالم>> وقد اتخذ <<ساراماغو>> قراراً عقب ذلك بأن يقول له: <<أنت حكيم أيها السيد ريس تطالب بالتفرج على مشهد أو استعراض العالم، فهاك استعراض العالم!>> والعالم الذي يستعرضه في هذه الرواية مقتطع من تاريخ البرتغال وأوروبا في حقبة الثلاثينيات من هذا القرن. أي في ذلك العقد الذي شهد ظهور الفاشية والنازية والكتائب في إيطاليا، وألمانيا، وإسبانيا كما شهد ظهور الدكتاتور <<سالازار>> في البرتغال نفسها. وإذن فإن لدى الروائي كماً كبيراً من الأحداث التاريخية وعليه أن يضع بطل روايته <<ريكاردو ريس>> في وسطها كي يرى و<<يتفرج>> على العالم. فماذا فعل؟ أو كيف فعل ذلك.

أول ما قام به أنه فصل <<ريكاردو ريس>> عن شاعر الأصل <<فرناندو بسو>> وجعل كلاً منهما شخصاً مستقلاً، فلم يعد <<ريس>> هذا شخصاً وهمياً لا وجود له، بل هو شخص عاش في البرازيل فعلاً وعاد إلى البرتغال ذات يوم وشهد موت <<فرناندو بيسو>> نفسه. ولكن الروائي نسب إليه الصفات ذاتها التي نسبها مبتكرة. سوى أنه جعل الشاعر الميت <<بسو>> فيما بعد ينهض من قبره ليزور <<ريكاردو ريس>> بين حين وآخر كأنما هو الضمير الغافي أو هو صوت العقل الخفي الذي يأتي ليحاسبه مرة بعد مرة حين يراه متخبطاً في طريقه.

تبدأ الرواية بوصول الدكتور ريكاردو ريس إلى العاصمة ليشبونه قادماً من البرازيل بعد أن أمضى هناك خمسة عشر عاماً يعمل في مهنة الطب. ومنذ اللحظة الأولى يتضح أمران: أولهما أسلوب الكاتب الذي يعتمد على الشرح والاستفاضة والتطويل والمباشرة والاستغناء عن علامات الترقيم كإشارات التعدجب والسؤال وعدم استخدام فعل القول أثناء حوار الشخصيات. وثانيهما أننا نتعرف إلى معظم الشخصيات التي ستصاحبنا في الرواية. فما أن ينزل في فندق من فنادق العاصمة اسمه <<براغانسا>> حتى نتعرض إلى <<سلفادور>> صاحب الفندق، وسوف يتضح لنا من سياق الرواية أن سلفادور هذا دساس خطير والأرجح أنه يعمل جاسوساً ومخبراً لدى الشرطة السرية. لا يذكر الروائي هذا صراحة ولكن مجريات الرواية تشير إلى أن سلفادور هذا قد وشى بالنزيل الجديد في فندقه حتى جاءت الشرطة واستدعت الدكتور ريس إلى مقرها. كانت هذه أول صدمة من العالم العربي يريد الدكتور الشاعر التفرج عليه وعدم المشاركة في صنع مصيره. ونكاية به ربما، يورد الروائي وقائع التحقيق بطريقة ساخرة ومريرة جداً، ناجمة عن أن البوليس يعامل <<ريكاردو ريس>> كمتهم، دون أن تكون لديه أي أدلةعلى أي جرم قام به. ولكنه مواطن مشبوه بالضرورة في ظل نظام دكتاتوري، كونه جاء بعد غياب وليس لدى البوليس أي ملف عنه. ومن الواضح أن سخرية الروائي مقصودة وهي جزء من اسلوب الكاتب كله الذي يسخر فيه من تاريخ البرتغال في تلك الحقبة، ومن موقف <<ريكاردو ريس>> والمضحك أن نزلاء الفندق بمن فيهم <<الدكتور سامبايو>> وهو نزيل آخر نشأت بينه وبين ريكاردو ريس علاقة صداقة، بدؤوا يتحاشونه، ويبتعدون عنه، خوفاً من أن تظن الشرطة السرية أن بينهم وبين <<ريس>> أي تعاون. مما يضطره في النهاية وقد وجد نفسه وحيداً. أو معزولاً، إلى استئجار شقة في أحد الأحياء والرحيل عن الفندق.

أما قرين <<سلفادور>> فهو الشرطي <<فيكتور>> الذي يواظب على مراقبة <<ريس>> وتتبع خطواته لعله يمسك به في جرم ما. وفيكتور هو الذي يتلقى التقارير والإخباريات من سلفادور، وهو مشهور برائحة البصل التي تفوح من فمه وربما كانت هذه إحدى الإشارات الرمزية في الرواية إلى بشاعة وقرف العمل السري في الأنظمة الطغيانية. ولكنها ليست إشارة غنية بالدلالات وأفضل أن تبقى خارج الرمز وأن تظل في نطاق الطبع السوقي الرخيص الذي يتصف به الشرطي فيكتور.

ومقابل هذه الشخصيات التي تتصف بالصغار نجد منظفة الفندق <<ليديا>> والفتاة العليلة <<مرساندا>> أما ليديا فإنها تحب الدكتور ريس. وتنشأ بينها وبينه علاقة غرامية، وتنام في فراشه حين كان نزيلاً في الفندق، ثم تستمر في زيارته وخدمته والنوم معه حين ينتقل إلى الشقة الجديدة. ليديا رمز النقاء والإخلاص في عالم بلا براءة، عالم مسكون بالرعب والهواجس أحبت الدكتور ريس بصدق وحملت منه، وحين عرضت عليه الزواج، رفض فما كان منها إلا أن غادرت شقته دون أن تهدر كرامتها. وحين يسخر الدكتور من تدخلها في شؤون الحياة يبدو الحوار بينه وبينها موظفاً من أجل إظهار سخافته هو، وسطحيته، وقلة خبرته بالحياة! والوجه الآخر <<لليديا>> فهي <<مرساندا>> وهي ابنة <<الدكتور سامبايو>> وكانت تأتي إلى ليشبونه للاستشفاء من شلل أصاب يدها اليمنى ولكن الأطباء عجزوا عن ذلك وحين تعرفت إلى الدكتور ريس أحبها وأحبته. ثم عرض عليها الزواج رغم فارق السن الكبير بينهما ولكن الفتاة ترفض ذلك، وهي تلتقي به مرة أو مرتين رغم عدم إرادة والدها الذي هرب من صداقته بسبب الخوف من الشبهات، سوى أنها أخيراً تقطع علاقتها به، وتمتنع عن استقبال رسائله حين تقتنع بأن حبهما مستحيل وأن زواجهما غير مناسب، وهكذا يعود <<ريكاردو ريس>> من جديد وحيداً منعزلاً بلا أحبة ولا أصدقاء <<والرواية لا تشير قط إلى أهله فلا نعرف من هو ومن أي بلد>> سوى قرينه الميت <<فرناندو بسو>>.

هذه هي الحكاية في رواية <<ريكاردو ريس>> وقد بسطناها إلى حد بعيد. وهي مشغولة في الرواية بحبكة معقدة وصعبة جداً. فالأحداث لا تتلاحق ولا تجري وفق أي خط آخر باستثناء خط <<ريكاردو ريس>> ولذلك فإن الشخصيات لا ترى إلا من منظاره مرة، ومن منظار الراوي المتخفي وراءه مرة أخرى، والذي يظهر في عدة صفحات من الرواية ولهذا فإننا سنقرأ عملاً مختلفاً عن البناء الفني للروايات، وبسبب من هذا النهج فإننا لا نستطيع الدخول إلى أعماق أي شخصية من الشخصيات القليلة في الرواية. ولهذا أيضاً وجدنا الروائي يستغني عن فعل القول، وكأن البطل هو الذي يحدث نفسه طوال الوقت. ويضع الروائي الحوار داخل السرد كأنه جزء منه، دون أن يفرد للشخصيات المتحاورة سطوراً مستقلة. فالسرد لا يذكر فعل <<قال>> ومرادفاته، ولا يفتح قوسين لجمل الحوار، فيصعب كثيراً أحياناً معرفة أين يبدأ كلام ريكاردو ريس مثلاً واين ينتهي واين يبدأ كلام الدكتور سامبايو أو سلفادور وأين ينتهي. ويسهل الأمر قليلاً حين يتعلق الأمر بالشرطة السرية. فالحوار متباين جداً ومضمون كلام المحقق مختلف عن مضمون كلام المتهم، وكذلك الأمر في الحوار مع ليديا أو مرساندا. ولكن الرواية صعبة في نهاية الأمر والقارئ حين ينتهي منها ما الذي سيأخذه، هل هو مصير ريكاردو ريس أم مصير العالم الذي يتفرج عليه. خاصة أن الروائي يقدم أحداث العالم عبر تواريخ دقيقة وموثقة ومأخوذة من صحافة ذلك العهد. وهو عهد مرعب كاد فيه العالم يقبل على النهاية، وإن كان لم يفعل، فقد أفسح المجال لاختراع أدوات خراب ودمار تجعله دائماً على حافة الهاوية.

 

-سنة موت ريكاردو ريس، رواية

جوزيه ساراماغو-

ترجمة أنطون حمصي-دار المدى- دمشق 1999

---------------------------------------

ثقافة:

مارتن لوثر المصلح البروتستانتي في مواجهة اليهود

قراءة في مؤلفه <<نفاق اليهود>>

مؤلف مارتن لوثر <<زعيم حركة الإصلاح الديني البروتستانتي في ألمانيا في القرن السادس عشر>> <<نفاق اليهود>> هو جواب بعث به إلى أحد المسيحيين الذين دعوا إلى محادثة بعض اليهود الألمان في بعض المسائل العقيدية الدينية. وأبرز ما انتهى إليه: أنه <<لا فائدة من الأخذ والرد معهم>> ودعا أنه يتعين >>على المسيحي أن يربأ بنفسه عن مجادلتهم ويشيح بوجهه عنهم، ولكنك في حال لم تجد لك فيها مخرجاً من مقارعتهم، مدفوعاً إلى هذا الحد برغبة ملحة في نفسك انتصاراً لحقك فلا تقل أكثر من هذا.. إن ما حل بهم من غضب الله برهان قاطع على أنهم في ضلال، ولا يزالون يضلون،.. وهل يعتقد أحد أن الله هو من الظلم بحيث يقاص شعبه الخاص قصاصاً لا رحمة فيه.. فغضب الله على اليهود يقرر لنا النتيجة من أن اليهود قد رفضهم الله، وليسوا هم بعد ذلك بشعبه، وليس هو بعد ذلك بإله لهم.. وهذا وفق قول هوشع <<يوشع>> <<فقال ادع اسمه لو عمي، لأنكم لستم شعبي ولا أنا لكم>> <<نفاق اليهود ص 82،83>> من ذلك ينتهي لوثر إلى النتيجة التالية: أنه لا جدوى من مجادلة اليهود لا من قريب ولا من بعيد، وهذا ناتج عن الخبرة والمعرفة الحقيقية للألمان بهم، تلك الخبرة المرتكزة على الإحاطة بالتربية العنصرية لليهود منذ طفولتهم، يقول لوثر:<<لا تسترسل مع اليهود في الجدل الذي يتعلق بديننا، فإنهم قد ارتضعوا الكراهة لربنا من أثداء أمهاتهم، ولقنوا طرق التسميم في الطفولة فلا أمل في إصلاحهم.. ولكي نزداد رسوخاً في ديننا، فإننا نعرض أباطيلهم في دينهم وفي تفسيرهم التوراة وهم بهذه الطريقة الوبيلة يقدحون في ديننا..إلخ>> <<نفاق اليهود ص 84>>.

الطبيعة العنصرية لليهود:

ينطلق اليهود من مقولة الاصطفاء الإلهي لهم من بين الأمم ليكونوا شعباً لله بمعنى أن العرق اليهودي يمتاز عن باقي أعراق البشر بأنهم عرق مقدس وإلهي إلى حد ما، في حين يفتقد جميع بني البشر من غير اليهود لهذه الخاصة الأمر الذي يقضي بأن يكون اليهود هم السادة، والأقوام غير اليهودية العبيد: <<إنهم يتمسكون بزعمهم أنهم متحدرون من أنقى أرومة بشرية على وجه الأرض، أو يمثلون نسل إبراهيم وسارة و اسحق ورفقة ويعقوب إلى آخر دعواهم في هذا الباب، ونحن في نظرهم <<غوييم>> وثنيون، ولسنا من طبقة البشر، ورتبتنا عندهم رتبة الحشرات إذا حرمنا كرم وشرف الأرومة والأصل.. وهم بهذا يتجنون على الله في مدارسهم وصلواتهم وأناشيدهم الدينية وتعاليمهم وسائر مسالك حياتهم>> <<نفاق اليهود ص 85>>.

تفنيد زعمهم بأنهم هم الصالحون، المفضلون على البشر:

وجد لوثر في شكر اليهود لله على مسائل ثلاث: الأولى لأن:<< الله خلقهم بشراً لا حيوانات>> والثانية:<<جعلهم بني إسرائيل لا من <<الغوييم>> الوثنيين>> والثالثة: أنه خلفهم رجالاً لا نساء، مجرد ترهات مضحكة لأنها ليست عندهم بالأصل إرثاً من إسرائيل وإنما أتتهم من <<الغوييم>> فأفلاطون حسب ما يذكر المؤرخون كان يثني على الله كل يوم مثل هذا الثناء.. لأنه خلقه إنساناً لا حيواناً، ورجلاً لا امرأة، وإغريقياً لا أجنبياً من البرابرة. وهذه هي صلاة المجانين، وحمد المجدفين الهمج المتوحشين وهكذا كان يعتقد شعب <<مال>> أنهم وحدهم البشر، وما غيرهم سوى عجماوات، وبط وفئران>> <<نفاق اليهود ص 88-89>>. ويعجب لوثر لعدم وجود يهودي واحد على قدر من صفاء الذهن يمكنه فهم هذه الحقيقة، مع أن جميع الأنبياء قرعوهم أشد تقريع من أجل هذا الزهو، وزعمهم أن لهم فضل العرق والنسب على غير قيم الروح والإيمان، لذا نزلت بهم نكبات القتل والاضطهاد، فلم يتعظوا، ولهذا وصفهم السيد المسيح بأنهم أبناء إبليس>>.

اليهود أبناء إبليس:

الغريب في الأمر أن يلجأ حاخامات اليهود وأحبارهم، وفي مقدمتهم الحاخام عوبديا يوسف في أيامنا هذه إلى وصف العرب بأنهم أفاع وبأنهم يتكاثرون كالنمل، وهم بهذا إنما يسقطون ما اتصفوا به على غيرهم من الأمم وفي مقدمتهم العرب، يقول لوثر:<<إن سيدنا يسوع المسيح قد دعاهم أولاد الأفاعي>> وفي إنجيل يوحنا 8:39:<<لو كنتم بني إبراهيم تعملون أعمال إبراهيم>> وفي الإنجيل نفسه 8:44:<< أتتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تبتغون أن تعملوها. هو من البدء قتال الناس ولم يثبت على الحق لأنه لا حق فيه، إذا تكلم فإنما يتكلم بما هو له لأنه كذوب وأبو الكذب>> <<نفاق اليهود ص 89-90>> والأمثلة التي يسوقها لوثر هي مما ورد ذكره في الإنجيل وبعض أسفار العهد القديم التي لا تتعارض مع وصايا الله وتعاليمه، ففي يوحنا 12:43:<<يا أولاد الأفاعي كيف تقدرون أن تتكلموا بالصالحات وأنتم أشرار، فإنه من فضلة القلب يتكلم الفم>> وفي يوحنا 23:33:<<ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون.. فأنتم تشهدون على أنفسكم أنكم أبناء قتلة الأنبياء، فاملؤوا مكيال آبائكم، أيها الحيات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم>>.  

--------------------------------------

لجسدك الممزق .. لدمك النظيف

فاديا غيبور

لم يكن ما كان أشلاء جسد، كان ورداً ونجوماً في فضاءات الأبد،عدسات المصورين التي حاولت اقتحام الموت في مكتبه المفروش بالصمت وألوان الخراب التقطت تفاصيل حياة شامخة يكتظ بها المكان،هي بعض ذكريات إنسان مازال اسمه (ابو علي مصطفى) الرمز الجميل للعروبة،للثورة، للأرض، لما تزل بيوتها تخرج الرجال منذ أن يولد الرجال في مساحة من الجراح حدودها الماء والنخيل،والكرامة والتاريخ،تاريخ أمة كانت تصنع الحضارة الإنسانية وتصدرها إلى العالم كله.

لم يكن ما كان في مكتبه مشهداً من فيلم رعب،أو لحظة قبضت على أطرافها كف مخرج بارع يحاول رصد زلزال مدمر في لحظته الأخيرة،وقد بدأ البحث عن الناجين منه بين الأنقاض،كان المشهد يرسم أبواب جنة مفتوحة للقادم من آهات جسده الأرضي إلى الخلود مصحوباً بقافلة من الزغردات التي تولد على شفاه الدماء، والأمهات، فهل يمكن لرجل أن يكون كبيراً بحجم قلوب أبناء أمة ممتدة بين جرح قديم وجرح جديد؟.

متشرداً بين الجهات الحمر والوطن المخبأ في حقائب المسافرين إلى مؤتمرات السلام المستحيل، الحاصدين الريح في أسفارهم وفلول مشروع السلام،متشرداً بين البقية والبقية من كرامة قادة متربعين على كراسي ذلهم ولهاثهم من أجل بعض مكاسب ومناصب سفحوا لها ماء الوجوه وأسرفوا،واليوم تسالهم حجارة ارضهم،أشجار بياراتهم ثأراً جديداً للذين قضوا شرفاء ما باعوا مفاتيح البيوت ولا امتطوا سفناً إلى جاه صغير أو كبير،وأبو علي مصطفى كان واحداً منهم فلم يدخل متاهات التشرذم والفئوية والبحث عن الوطن في مدريد أو أوسلو،أو في شرم الشيخ،كان يؤمن بطريق واحد إلى فلسطين هو طريق النضال العربي لأن فلسطين ليست جزيرة معزولة في محيط غريب،بل وطناً صغيراً لا يتجزأ عن الوطن الأم،عن الوطن العربي، وبكل أسف كان المهتمون من العرب بالقضية أكثر مما يجب في قاعات المؤتمرات،واقل مما يجب بكثير في ساحات العمل والصمود والمواجهة والتضحية، ومما يدعو إلى الفخر أن سورية كانت دائماً في طليعة الدول العربية التي حملت الهم القومي،ولن أقول الفلسطيني لأن تضييق القضية واحد من أهداف الصهيونية العالمية، وإضعاف الأمة العربية هو الغاية التي سعى إليها الاستعمار بنوعيه القديم والجديد لأنه ادرك الخطر الذي يتهدده إذا ما لملم العرب جراحهم وخلافاتهم الصغيرة وتوحدوا جسداً واحداً عملاقاً بوجه أعدائهم.

قبل أسابيع منحت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية حكومة شارون (رخصة الموت) والأكثر دقة تسميتها برخصة الإبادة الجماعية لأبناء فلسطين،ترى .. هل تضمنت هذه الرخصة الدموية تمزيق جسد (أبو علي مصطفى) الذي كان دائماً شوكة في حلوقهم وحلوق كل الذين أرأدوا سلاماً هزيلاً يمر بأوسلو،ونعرف أوسلو ونعرف بنودها التي قال عنها القائد العربي الخالد حافظ الأسد: إن كل بند من بنودها يحتاج إلى اتفاقية.. ونعرف الذين حاولوا تمرير مشاريعهم من خلال أوسلو المكان والاتفاقية، من المؤكد أنني لا أهذي،ومن المؤكد أن ما انتابني وأنا أقرأ الخبر العاجل كان اكبر وأعنف من كل كلام أقوله، ربما لأن عملية اغتيال المناضل (أبو علي مصطفى) جاءت في ظروف صعبة حرجة، وربما لأن تفاصيلها تبوح بما لا يقال،وربما لأنها تزامنت مع تصاعد العمليات الاستشهادية التي استطاعت في الآونة الأخيرة أن تثير هلعاً وصل حد الرعب في نفوس المستوطنين الصهاينة الذين بدؤوا يتساءلون باصرار: لماذا أتينا؟. وأن تثير في نفوس ساسة الكيان الصهيوني قلقاً ورعباً واضحين تجسدا بردات الفعل العشوائية المعبرة خير تعبير عن إفلاسهم السياسي واستنجداهم بالبيت الأبيض اسماً،الأسود فعلاً لمنحهم رخصة رسمية بالإرهاب، وكأن سجل شارون الحافل بالإرهاب لم يكفه فأراد دعمه وترسيخه بالجديد المبتكر في عالم الإرهاب.

بقدر ما في أعماقي من احزان متداخلة صاخبة وبقدر ما في روحي من ثورة واحتجاج على الصمت العربي الموشى بالتبريك،والكلام الجميل أصرخ خلف نعشك صرخة احتجاج بوجه من يغتالون الإنسان، وأزغرد أنا التي ما زغردت يوماً،أزغرد في عرس دمك العربي الذي اعددته لنفسك يوم اخترت أجمل النهايات فكنت الشهيد (أبو علي مصطفى) بعيداً عن كل الألقاب الرنانة التي يسعى إليها صغار النفوس والهمم، لجسدك الممزق.. لدمك النظيف فلتكن أبهى الأعراس العربية !.

-------------------------------------

فسحة ثقافية:

<<نبضات>>

للشاعر الفلسطيني ماجد أبو شمالة

بسام رجا

<<نبضات>> عنوان الديوان الشعري الأول للشاعر الفلسطيني ماجد أبو شمالة الذي يرفع جراحه عالياً ويصرخ في ليل الغربة وبرد الشتاء، وإن طالت االغربة إنا عائدون..

فلسطيني من الجيل الثاني لا يغادره الحلم بالعودة إلى فلسطين، يفتش في صوت أبيه عن أغنية لم يزل يتردد صداها حين تصد دروب العائدين إلى الذكرى.. لا يتعب أبو شمالة من ترحاله اليومي فهو يرى قريته في عيون أطفاله ويستريح قلبه على نافذة الذكرى حين يمر الوقت بطيئاً يقول في قصيدة <<زهرة أمل>>.

ليس في الشتات موت

ما بقي في الشمس نور/ إن ربيع العمر ولى

فالأمل معقود في الصدور

إن هول الشتات وهم

ما إن تمسكنا بالجذور

هذا القول الشعري الصادق المباشر في شكله العميق في تمسكه بالوطن هو ما يؤرق الشاعر، الذي يبحث عن الفكرة ويدخل إليها بكل بساطة وحميمية. ولعل أبو شمالة في بوحه لأصدقائه الكثير من الصدق حين يقول أنا أكتب لفلسطين، هكذا تأخذني الكلمات إليها.. أنا أخاف من كلمة شاعر.. وباسم كل فلسطيني يعلن موقفه المنتمي إلى الوطن وإلى أسراه الذين يقبعون خلف زنازين العدو يعلنون تمسكهم بفلسطين.

يقول في قصيدة أسيرنا في القلب:

يا حبيس المسافات.. والمساحات

يا رهين الأقبية.. والزنزانات

يا سجين الجسد

والروح تختال

زهواً.. كبداً

شموخاً.. تختال

حق لها تختال!

الشرف أنت

الفخر أنت

التضحية أنت

البطولة.. أنت

أنت المحال

وحين يشكو من كثرة الجراح التي أدمت الجسد الفلسطيني ولا أحد يسمع، لا يجد إلا الصراخ الذي ينزف ألماً ليحتج من قصيدة الشكوى المرة نقتطف:

الرياح السود تعودناها

خمسون عاماً نتقلب على الرماد

طرقنا كثيراً من الأبواب

صدنا الحجاب

قالوا أنتم أغراب

<<نبضات>> للشاعر الفلسطيني أبو شمالة الذي استعرضناه بشكل موجز في هذه الزواية، هو العمل الأول للشاعر أبو شمالة لكنه يحمل الكثير من الصدق والعاطفة التي يختزنها الشاعر في قلبه وتزداد اشتعالاً في سنوات الغربة.. أبو شمالة من الجيل الذي يعلم أحفاده أن فلسطين لا تقبل القسمة وهي وطننا من رأس الناقورة إلى رفح.. وستظل فلسطين القابضة على جراحها تورق شجراً أخضر في قلب كل فلسطين يؤمن أن هذه الأرض ستعود ولو طال ليل الغزاة.

الديوان من القطع الوسط.. جاء في (128) صفحة صادر عن دار الأقصى والغلاف من تصميم عصام ماجد شاهين.

 

الأعمال النثرية لبدوي الجبل

في مئة وخمس وثلاثين صفحة من القطع الكبير، صدرت مؤخراً الأعمال النثرية للشاعر الكبير بدوي الجبل، ومن المعروف أن الشاعر بدوي الجبل واحد من أهم شعراء القرن العشرين في الوطن العربي حيث إنه قدم قصائد تنضح بالعاطفة والتوق إلى الحرية والتحرر والانعتاق ولا ينقصها القوة والتماسك وجزالة اللغة..

وإن كان الشاعر قد عرف شعرياً كما ينبغي فهو لم يعرف على صعيد الكتابات النثرية كما يجب. لكن الأستاذ هاني الخير قام مؤخراً بإعداد وتوثيق وجمع أعمال نثرية لهذا الشاعر حيث التفت الصحفي إلى قدرة الشاعر النثرية الأنيقة فقرر نشر كتاباته النثرية <<التي تنبض باقتداره الشعري، وقدرته التصويرية الفائقة المهارة، والتفاتته الذكية إلى أدق الخلجات الإنسانية>> وذلك بالطبع ليس غريباً على شاعر كبدوي الجبل الذي نحت من اللغة العربية أجمل إمكاناتها ومفرداتها..

يضم الكتاب مجموعة من الكتابات النثرية من رسائل وكتابات رثائية تخص عدداً من الأشخاص الذين واكبهم بدوي الجبل ومنهم <<إبراهيم هنانو وصبري العسلي وجميل مردم وغيرهم>>.

هذا الكتاب في جميع الأحوال يشكل جهداً هاماً لا بد من لفت النظر إليه ومادة تستحق القراءة جمعها مشكوراً الأستاذ هاني الخير في جهد نحن أحوج ما نكون إليه لعرض جوانب متعددة من كتابات مبدعينا الراحلين الكبار خصوصاً وأن الكتابات عن هؤلاء بدأت تقل تدريجياً في السنوات الأخيرة، مما يسد حاجة ما في تعرفنا عليهم.

 

البيارق لنزيه الشوفي

صدرت مؤخراً في دمشق رواية جديدة للكاتب نزيه الشوفي تحت عنوان <<البيارق>> يمكن تصنيفها ضمن حقل الرواية التاريخية حيث تستعرض مسارات ومحطات هامة من أحداث وتواريخ القرن الماضي.

الشوفي كان قد أصدر عدة كتب من رواية وترجمة وغيرها، في فهم واضح للفهم الروائي من جانب نقدي وتقني، وقد تعامل هذه المرة مع الرواية ليس بوصفها حدثاً خارج الزمن بل استنبط أحداثه وشخصياته من عمق الأحداث التاريخية الهامة في القرن العشرين.

<<البيارق>> رغم أنها رواية تاريخية فقد صيغت بشكل سردي أنيق وجاءت في مئتي صفحة من القطع الكبير، احتفلت خلالها اللغة بطابع شمولي والأحداث بشكل توصيفي تاريخي لا ينقصه الفنية الروائية علماً بأن الشوفي عرف عدة لغات أجنبية ودرس نظرية الرواية وله ترجمة لكتابات نظرية الرواية للناقد المثير <<جورج لوكاتش>> مما أدى إلى هذا الفهم العميق لماهية وطبيعة الرواية.

تأتي رواية نزيه الشوفي كإضافة هامة لإمكاناته وتجربته الشخصية كما تضيف تنوعاً على الرواية في سورية وتجربتها التي بات يحسب لها حساب في محفل الأدب العربي.

 

مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي

العرض الفلسطيني <<قصص تحت الاحتلال>> يحصد الجائزة الأولى

في نهاية مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، أعلن <<فيليب أرنولد>> رئيس لجنة التحكيم الدولية فوز العرض المسرحي الفلسطيني الذي يحمل عنوان <<قصص تحت الاحتلال>>.

يعتبر مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي واحداً من الفعاليات المسرحية الهامة على المستوى العالمي حيث شاركت فيه أكثر من أربعين دولة وتم تقديم (78) عرضاً منها (20) عرضاً من مصر، مما شكل حشداً هاماً جعل من المنافسة أمراً صعباً، حيث وصل عدد المشاركين في تصفيات المنافسة النهائية (15) دولة من مختلف بلدان العالم حيث أقرت اللجنة في النهاية تصنيف <<قصص تحت الاحتلال>> في مقدمة هذه العروض وتم منحه الجائزة الأولى.

جوهر <<قصص تحت الاحتلال>> هو الدخول في أعماق الهم الفلسطيني بوصفه هماً إنسانياً حيث يقدم الشخصيات بإنسانيتها لا بكونها مادة إعلامية أو إخبارية وهو ما بات سائداً في ظل الانتفاضة المباركة، قد شكلت فكرة المسرحية خروجاً عن تقديم الفلسطيني بهذا الشكل واعتمدت الشخصيات على بوح الهموم اليومية والمكنونات في دواخلها بشكل يستحق كل تقدير.

كما حصل العرض النمساوي <<شموس جانبية>> للمخرجة <<إديتا براون>> على جائزة أفضل إخراج، في حين فازت الممثلة الإسبانية <<تشاور سوفو>> كأفضل ممثلة، كما حصد <<المنصف الصايم>> جائزة أفضل ممثل في العرض التونسي <<المنشار الحائر>>.

ولا شك في أن فوز العرض الفلسطيني يعد إضافة جديدة أخرى وحافزاً للأعمال الجادة، كما يدعو للتطوير في العمل المسرحي الفلسطيني بحيث يشكل مشجعاً ودافعاً إضافياً له.

 

اليوتوبيا المفقودة لـ<<محمد كامل الخطيب>>

عن دار المدى صدر مؤخراً كتاب <<اليوتوبيا المفقودة>> للناقد محمد كامل الخطيب، يبحث الكتاب في دافع ودلالة غياب الأدب الحالم في العالم العربي وهو سمة الآداب الناضجة. لا سيما وأن الحلم بالمعنى الخلاصي البشري أو الابتكاري العلمي ليس جديداً على أدبنا العربي، ففي واحدة من أهم النصوص البشرية الحالمة بفهم الواقع غير المرئي في فلسفة الكون هي رسالة الغفران للمعري ومدينة الفارابي الفاضلة كما <<حي بن يقظان>> لابن طفيل حيث طغت على هذه الأعمال نزعة حالمة تطمح إلى الخروج من واقع ما لا يبدو مرضياً لهؤلاء الأدباء والمفكرين حيث وحد الكثير منهم في الحلم درباً إلى الخلاص.

لكن الخطيب ينتقد العقل العربي ويعزو عدم قدرة هذه الأحلام على النضوج والتحقق من النزعات الفكرية كالماركسية وانتهاء بالطموح القومي العربي ويعزو عدم القدرة هذه إلى بنية العقل العربي التي يسيطر عليها مجموعة من الشوائب لا تسمح بتحقيق ذلك!

ويورد الخطيب أمثلة لبعض الأعمال التي ترنو إلى <<يوتوبيا>> منها <<غابة الحق>> (لفرنسيس مراش) التي تطمح إلى خلق هذا العالم الفاضل دون شوائب، كما يورد ما جاء في كتاب <<ميخائيل صقال>> الذي توقع في كتابة <<لطائف السمر في سكان الزهرة والقمر>> حيث حلم باختراع آلة طابعة تنقل الرسائل والأوراق بسرعة هائلة بين الأرض وكوكب الزهرة وكان ذلك عام (1907).

في الحقيقة كتاب <<محمد كامل الخطيب>> يعد دراسة هامة وفريدة في الدراسات النقدية العربية، وتضيف إلى المكتبة العربية كتباً هامة نحن أحوج ما نكون إلى الالتفات إليها.

 

الانتفاضة في عيون الأطفال

معرض الطفل أشرف السهلي

المعرض الذي أقامه الطفل الفلسطيني أشرف السهلي مؤخراً في بيته في مخيم اليرموك، جهد  يستحق التقدير. استمر المعرض لمدة أسبوع وحضره عدد كبير من الإعلاميين الذين شجعوا أشرف على جهده لجمع هذه الوثائق والمواكبة شبه اليومية للانتفاضة المباركة. والذي يلفت الانتباه حشود الأطفال التي جاءت من المخيمات الفلسطينية لحضور هذا المعرض.

الرسالة التي أداها الطفل الفلسطيني أشرف السهلي تنم عن عمق العلاقة الوطيدة بين فلسطينيي الداخل والخارج وتؤكد على وحدة الدم والمصير لشعب يعلم أطفاله أن الحلم سيظل يزهر وسيأتي ذاك الوقت الذي يستريح فيه القلب من الترحال والغربة. كل التحية للطفل أشرف السهلي الذي عبر عن تضامنه مع شعبنا بإمكانات متاحة وأرسل رسالته لكل أطفال فلسطين ليقول إن محمد الدرة وفارس عودة وإيمان حجو في الذاكرة لا يموتون وإننا لعائدون.

--------------------------------------------

بريد فتح:

كل عام والانتفاضة بخير

قبل زهاء عام، شهد التاريخ ولادة هي الأولى من نوعها إبان الألفية الميلادية الثالثة، حيث وضعت هذه الأرض حملها، فأنجبت مولوداً جديداً سُمِّي انتفاضة الأقصى، وكم كان مباركاً هذا المولود الذي ما إن ذاع صيته، حتى سارع الكيان الصهيوني والدول الإمبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة، وبعض الأنظمة العربية المرتبطة بمصالح مع كيان العدو إلى القيام بمحاولات جمة لوأده، لكن كل هذه المحاولات كانت تبوء بالفشل، ذلك أن سلاح الإرادة والإيمان الذي تسلح به أبطال الانتفاضة كان قوياً أيما قوة إزاء كل هذه المحاولات التي استخدمت أسلحة متطورة، حُرِّم البعض منها دولياً.

قوة الإرادة هذه، التي تحلى بها الفلسطينيون جعلت الوليد آنف الذكر ينمو ويكبر مستمداً بقاءه من لبن الأرض الأم <<فلسطين>>، والذي كان حجارة ورصاصاً وعبواتٍ ناسفة وأجساد استشهاديين، كل ذلك حدا برئيس وزراء العدو السابق إيهودا باراك إلى الاستقالة، ليخلفه في منصبه سفاح صبرا وشاتيلا الذي بدأ عهده بالوعد والوعيد، فوعد التجمع الاستيطاني بتحقيق الأمن له، كما توعد بإنهاء الانتفاضة خلال فترة وجيزة قدَّرها بمئة يوم، وراح يعد وصفة سحرية لإجهاض الانتفاضة، لكن ضربات المقاومة عصفت بالوعود <<الشارونية>>، لينقلب السحر على الساحر، حيث انعكست أعماله العدوانية التي كانت نتاج وصفته سابقة الذكر وبالاً عليه وعلى حكومته ومستوطنيه، فإن كان لهذا العدوان أثر على الفلسطينيين، فهو زيادتهم عزماً وثباتاً وتصميماً على النصر والتحرير، وهذا ما راح إليه الأخطل الصغير في قوله:

غذت الأحداث منا أنفساً           لم يزدها العنف إلا عنفوانا

حيث شهدت فلسطين آنذاك حركة مسلحة، تمثلت في تفجير العبوات الناسفة والاشتباكات مع الجيش الصهيوني وإطلاق النار على المستوطنين، وكان أبرز هذه الأعمال وأكثرها إيلاماً، العمليات الاستشهادية التي تضرب في العمق بقوة، فتُوجِع، وتُشِعر الكيان العنصري بحراجة الموقف، وتضع رئيس حكومته على المحك، تلك العمليات التي يقضي فيها الفدائيون المضحون لتبقى فلسطين راسخة على مر الزمان تاريخاً وجغرافية، فأعظِم بهؤلاء الرجال الأشداء، وأكرِم بهم، لأنهم ما بخلوا بل جادوا فأعطوا بسخاء منقطع النظير، وأثلجوا نفوسنا التي احترقت غيظاً واستشاطت غضباً من العنجهية الصهيونية وأعمالها التي فاقت النازية إرهاباً وعنصرية، تحية لهم لأنهم أكسبوا الانتفاضة تميزاً خاصاً، وأكدوا قوتها، وأججوا نارها، لهؤلاء الأبطال الذين يشيدون جسور النصر بأجسادهم المباركة سلام من لدنا، نخاطبهم كمخاطبة الجواهري إياهم، فنقول لهم:

سلام على جاعلين الحتو      ف جسراً إلى الموكب العابر

ورغم فداحة الخطب، والمآسي الكبيرة التي تعتلج قلوب الفلسطينيين، إلا أنهم ما انفكوا يقدمون التضحيات الجسام، حيث  أنهم  لم يضيقوا ذرعاً في ذلك ، لأنهم طلاب حق _وما ضاع حق وراءه مُطالب_ يضعون نصب أعينهم ثرى فلسطين الطهور كاملاً من الماء إلى الماء، الأمر الذي جعل الانتفاضة تستمر ردحاً طويلاً من الزمن، لتجعل الوعود التي قطعها شارون على نفسه تذهب أدراج الرياح.

إن ما أنجزته الانتفاضة في عامها الأول ليس بالشيء القليل، بل إنها خلال عام استطاعت أن ترهق كيان العدو على صُعُد مختلفة، ولم يألُ أبطالها جهداً في ذلك ، كما استطاعت أن تملأ قلوب الصهاينة والمستوطنين منهم بصورة خاصة رعباً، فتقلصت أعداد المهاجرين اليهود إلى فلسطين تقلصاً ملحوظاً، كما أن الانتفاضة حفظت ماء الوجوه العربية التي غطت الولايات المتحدة عيونها بغشاوة لتجعلها في منأى عما يجري على أرض المعركة، وبالتالي تغييب دورها _الذي من المفترض أن يكون فعالاً_ في الوقوف إلى جانب  الفلسطينيين، كما أنها <<الانتفاضة>> أكدت سيادة منطق المقاومة، إضافة إلى أنها أماطت اللثام عن بعض الوجوه، لتكشف زيفها، وتظهرها على حقيقتها.

ومع مرور عام على الانتفاضة_التي يشهد لها العدو قبل الصديق، حتى قدَّر لها كيان العدو أن تستمر حتى العام الميلادي السادس بعد الألفين_ تهوي الكلمات أمام الفعل البطولي، ليبقى الأخير سيد الموقف، السيد الذي لا يعلو صوت فوق صوته، وإن كان ثمة كلام يجب أن يقال في هذه الآونة فإنما هو: كل عام والانتفاضة بخير حتى بلوغ الهدف المنشود وهو كنس الاحتلال عن كامل التراب الفلسطيني.

 

ماجد أمين القاضي

-----------------------------------------------

ذهبوا لكنهم باقون..

هكذا تغتال البراءة في فلسطين

من محمد الدرة إلى سارة حسن إلى مؤيد وإيمان  حجو

إلى شادي إلى فارس عودة

وابن الشهور الثلاث ضياء طميزي

وإلى شهيدي المجزرة الشارونية الأخوين أشرف وبلال أبو خفر

إلى ما يزيد على مئة وثمانين زهرة

فلسطينية يانعة يافعة

حصدتها رصاصات غدر

أوقفت نموها وحلمها وعبقها،

لم يشأ الحقد الصهيوني لهذه الزهرات أن تكبر

ويكبر معها حب الوطن في فلسطين

أطفال فلسطين أصبحوا يحملون على النعوش كالرجال.

قالوا إن الأم الفلسطينية تدفع بطفلها إلى الموت

كيف هذا وأم الطفل الشهيد مؤيد دراج

الذي نالت من قلبه رصاصة صهيونية حاقدة

وهو في حجرة نومه

مازالت تحتفظ بثيابه،تغسلها بدموعها،

تقلبها تشمها،تفتح كتبه المدرسية،

تتلفت حولها عل الغائب عله يعود،

من ممن رآه وهو يتحدى الدبابة الصهيونية

بحجره وجسده الصغير لم يقف شامخاً له،

من لم يتأثر بنبأ استشهاده،

فارس عودة شهيد غزة،

كان طفلاً بسني عمره،ورجلاً بتحديه لدبابة صهيونية

قال لها لن تمري على أرضي إلا على جسدي

شهداء البراءة في فلسطين ما زالوا في منازلهم

وبين عائلاتهم بذكرياتهم بصورهم،بحقائبهم المدرسية

بثياب استشهادهم،هم ذهبوا لكنهم باقون..

علا مناصرة

--------------------------------------------

في غرفة التحقيق

جاءوا بها <<حبلى>> إلى التحقيق، وقف المحقق وبادرها بالسؤال الأول وكان الأخير.. من أين حملك يا شقية..؟

قالت له والرأس شامخة

ما جئت شيئاً فريا

زوجي جموع الناس تعرفه

ما كان يوماً شقيا

البشر يعلو فوق جبهته

والخير يبدو جليا

براً بوالده والأم تحمده

والجار يعرفه سخيا

ما زل قط في مسيرته

قد كان براً تقيا

بطش الأعادي ليس يرهبه

بالله لا يخش شيا

أنت الذي بالغدر قاتله

فقضى شهيداً وأورثني أبيا

سيخرج إن شاء الإله مناضلاً

يحمي حمى الأوطان لا يخشى المنية

ما كان من أمر المحقق عندها

إلا وأطلق من بندقية

على رموز الشموخ رصاص غدر

فتمزقت أشلاؤها، ماتت أبية

بقي الجنين بحكمة ربه حياً طريا

صعق المحقق لما رأى

طفلاً يقول: أنظر إليا

أنا من جاء يحمي الذمار

ويسحق كل جبار عتيا

لا سيف إلا ذو الفقار

وأنا الفتى واسمي عليا

غالب راغب

----------------------------------------------