الحكومة الصهيونية بعد اغتيال رحبعام زئيفي

شبح انهيار الائتلاف الشاروني يلوح في الأفق!!

مضت سبعة شهور عجاف على تسلم أرييل شارون رئاسة الحكومة الصهيونية تكرر فيها فشل خططه السياسية والعسكرية لإخماد الانتفاضة الفلسطينية ومنها ما عرف باسم خطة <<المائة يوم>> وخطة <<الباب الدوار>> وخطة <<يورانيوم>>-الجحيم.. وغيرها من الخطط. وزعم شارون خلال تلك الشهور المنصرمة تماسك حكومته الائتلافية الموصوفة صهيونياً بأنها حكومة <<وحدة وطنية>>. وهذا التماسك المزعوم شارونياً لم يحجب وجود إشارات وإعلانات متكررة عن قرب استقالة وزير خارجيته العمالي شمعون بيريز وخروج حزب العمل الصهيوني من الائتلاف الحكومي. كما لم يحجب الادعاء الشاروني بتماسك وتراص صفوف حكومته من ازدياد تعمق أزمة الكيان الصهيوني بوتائر متسارعة على الصعد السياسية والاقتصادية والعسكرية إذ إن الانتفاضة أوقفت ما يمكن تسميته هزيمة أمنية بالكيان الصهيوني لجهة افتضاح خرافة <<الخط الأخضر>> علاوة على الخسائر الاقتصادية في مختلف فروع الاقتصاد وازدياد العزلة الدبلوماسية الناجمة عن السياسات الشارونية التي لم يفلح بيريز في تسويقها دوليا.

وبدخول الانتفاضة عامها الثاني بدا وكأن شراً مستطيراً أو كابوساً يخيم على حكومة شارون،هذا في ظل تداعيات تفجيرات نيويورك وواشنطن على كيانه،ولجهة إمكانية مواجهة الحكومة الصهيونية لخيارات صعبة سواء لجهة علاقتها بالإدارة الأميركية ( الجمهورية) أو لجهة استحقاقات إحياء مسارات التسوية.

وقد عكست هذه المتغيرات الإقليمية والدولية ذاتها على الإتلاف الحكومي الشاروني،وتجاوزت ذلك إلى بروز توتر في العلاقة بين الحكومة والمؤسسة العسكرية ممثلة بالجيش الصهيوني،ورئيس هيئة الأركان شاؤول موفاز الذي رفض في الرابع عشر من شهر تشرين الأول (الجاري) خطة لسحب قوات الجيش من بعض الأحياء المحتلة في مدينة الخليل،وتقديم ما يوصف صهيونياً بـ( تسهيلات) للفلسطينيين على صعيد تحركهم داخل مدنهم وما بينها،وتمثلت نقاط تلك الخطة فيما يلي:

-           فتح معبر قلنديا قرب القدس أمام المواطنين الفلسطينيين.

-           إزالة الحواجز للسماح بحرية الحركة بين المدن الفلسطينية في الضفة الغربية.

-           معالجة إزالة القيود المفروضة على إدخال الوقود إلى مناطق السلطة.

-           توسيع منطقة الصيد في البحر شمالي غزة لعمق عشرين كيلو متراً.

-           إزالة الحصار المفروض على المدن وبشكل موضعي وفقاً لتجاوب الفلسطينيين مع الشروط الملزمة.

-           الانسحاب من حارة أبو سنينة وحارة الشيخ في الخليل على اعتبار أن هذه الخطوة تشكل نقطة اختبار مركزية للفلسطينيين.

لكن هذا الاجراء شكل اختباراً للعلاقة بين الحكومة والجيش،إذ أصدر رئيس الأركان شاؤول موفاز بياناً اعترض فيه على منح " تسهيلات للفلسطينيين" وهذا ما يعتبر سابقة،أو أمراً مستغرباً في العلاقة بين الجيش والحكومة، حاول شارون التقليل من خطورتها بقوله: لقد مر وقت كان فيه رئيس الأركان الذي يصدر مثل هذا البيان لا يستطيع البقاء في منصبه لساعة واحدة". لكن بن اليعيزر هدد بإقالة موفاز الذي اضطر إلى إصدار بيان معاكس أنكر فيه معارضته لتقديم " تسهيلات" للفلسطينيين.

أما أقطاب الحكومة وفي مقدمتهم بيريز فقد تعددت مواقفهم إزاء التسهيلات الشارونية فقد احتج بيريز على تسمية "تسهيلات" بقوله: منذ متى يعتبر السماح بدخول الطعام للناس تسهيلاً،إن إدخال الوقود من أجل الطبخ وخروج الناس إلى العمل ليس تسهيلات".

فيما عارض وبشكل جوهري خطة التسهيلات أقطاب اليمين الصهيوني المتطرف،وهم الوزراء ليمور لفنات،وعوزي لانداو، ورحبعام زئيفي( مولديت) الذين لم يكتفوا بالاعتراض بل شنوا هجوماً على بيريز الأمر الذي دفع شارون لانتقادهم والدفاع عن بيريز،وذلك لأنه لا يعتبر لفنات والوزراء الآخرين المحتجين أكثر وطنية من بيريز. كما اضطر شارون في كلمته في افتتاح الدورة الشتوية للكنيست إلى انتقاد الوزيرين رحبعام زئيفي وأفيغدور ليبرمان لتقديمهما استقاليتهما على خلفية انسحاب قوات الجيش من بعض المناطق في مدينة الخليل المحتلة، واتهمهما بعدم إبداء الصبر والجلد المطلوبين في مثل هذه الظروف الدقيقة.

وأثارت خطوة الوزيرين ليبرمان وزئيفي قلقاً داخل حزب الليكود،وأحزاب اليمين الصهيوني فيما فرح أعضاء حزب العمل الصهيوني،ورغم تواضع تمثيل حزب اسرائيل بيتنا (ليبرمان) في الكنيست (4) مقاعد،والاتحاد القومي (زئيفي) 3 مقاعد فقط،إلا أن شبح انفراط عقد الائتلاف الشاروني يلوح في الأفق مثلما حصل مع حكومة ينيامين نتنياهو التي بدأ انهيارها بانسحاب القوى الأشد تطرفاً منها عام 1999،فكانت النتيجة بعد ذلك إجراء انتخابت جديدة (مبكرة) جلبت حكومة حزب العمل برئاسة ايهود باراك ،لذا تساءل شارون في الكنيست مذكراً بما جرى لحكومة الليكود السابقة قائلاً: هل تريدون انتخابات جديدة؟. من يريد ذلك فليقم وليعلن ذلك؟.

وفي محاولة لإخراج كيانه من عزلته الدبلوماسية الدولية أعرب شارون أمام ناشطين ليكوديين في كريات موتزكين في ضاحية حيفا عن تأييده إقامة دولة فلسطينية" يتم إنشاؤها في إطار اتفاق يستجيب لجميع المتطلبات الأمنية للكيان الصهيوني". وقوله: إن الدولة الفلسطينية التي قد يوافق عليها يجب أن تكون منزوعة السلاح،وأن يقوم الجيش ( الإسرائيلي) بمراقبة حدودها الخارجية،وفي جميع الأحوال لن تتراجع (إسرائيل) إلى حدود الخط الأخضر. ولن تتمكن هذه الدولة من إبرام معاهدات أو اتفاقات مع بلدان مناوئة لإسرائيل،وسيكون بإمكان إسرائيل أيضاً استخدم المجال الجوي للدولة الفلسطينية بكل حرية".

لكن وبعد اغتيال مناضلين من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وزير السياحة داعية طرد الفلسطينيين رحبعام زئيفي،واعتراف رئيس جهاز "الشاباك" آفي ديختر بمسؤوليته وجهازه عن وقوع عملية الاغتيال سارع رئيس الحكومة شارون إلى تبني اللهجة ذاتها التي استخدمها الرئيس الأمريكي جورج بوش بعد تفجيرات نيويورك وواشنطن بقوله:" إن عهداً جديداً قد بدأ،وإن ما كان قائماً في الماضي لن يكون كذلك في المستقبل،وإن إسرائيل ستحارب الارهاب الفلسطيني بلا هوادة وستلاحق منفذي العمليات ومن يرسلهم.. وإن من يقدم المأوى للإرهابيين هو نظام يسعى إلى تدمير دولة إسرائيل ويعارض السلام".

 وترافق ذلك بسحب كتلتي زئيفي وليبرمان سحب استقاليتهما من الحكومة وأمهل ليبرمان شارون فترة أسبوع لاختبار ما سيفعله إزاء الفلسطينيين،وعلى ضوء ذلك يقرر البقاء في الحكومة او الاستقالة،ويبدو أن ما فعله شارون إزاء الفلسطينيين خلال الأيام القليلة التي تلت اغتيال زئيفي والمتمثلة في الاجتياح العسكري الصهيوني لمدن الضفة الغربية جنين،والبيرة، ورام الله،وبيت لحم، وبيت جالا، وبيت ساحور وقلقيلية وطولكرم.

وكشفت صحيفة " معاريف" النقاب عن وجود خطة لتقويض سلطة عرفات قد ترضي ليبرمان واليمين المتطرف مؤقتاً لكنها وبطبيعة الحال لن تخرج الإئتلاف الحكومي الشاروني من أزمته التي يبدو أنها تقصر عمر ولاية شارون القصيرة اصلاً،وبالتالي ستدفع بشارون إما إلى الاستقالة على غرار ما فعله ايهود بارك،أو الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة للمرة الثانية خلال أقل من عامين،وحتى هذا الحل قد لا يقود إلى الخروج من الأزمة السياسية التي يعانيها الكيان الصهيوني منذ نحو عقد ونيف والتي تتمثل بشكل رئيسي في عدم الاستقرار السياسي وقصر أعمار الحكومات الإسرائيلية الصهيونية .

مأمون كيوان

زئيفي داعية <<الترانسفير>>

هو من مواليد القدس بتاريخ 20/6/1926، انضم عام 1949 إلى منظمة <<الهاغاناه>> ومن ثم إلى <<الباكماخ>> وتلقى عدة دورات لتأهيل الضباط في الأعوام 1945-1946، وقاتل في صفوف الجيش كضابط استخبارات في كتيبة <<يفتاح>> وشارك في احتلال الناصرة ومناطق أخرى في الجليل. وتنقل في عدد من المناصب العسكرية حيث عين رئيساً لأركان القيادة الجنوبية برتبة عقيد عشية حرب السويس وعين بعد ذلك بنحو خمس سنوات نائباً لرئيس شعبة في هيئة أركان الجيش. وبعد حرب حزيران 1967 عين قائداً للمنطقة الوسطى برتبة لواء <<ميجر جنرال>>. واشتهر عنه مطاردته للفدائيين في غور الأردن. وأنهى خدمته العسكرية قبل نحو أسبوع من حرب 1973 لكنه عاد بعد بدء الحرب وتسلم منصب رئيس شعبة العمليات في هيئة الأركان لمدة شهرين ثم  تقاعد نهائياً من الجيش، ليعينه رئيس الوزراء اسحق رابين خلال توليه لرئاسة الحكومة مستشاراً أمنياً لشؤون مكافحة الإرهاب. وكان قد انتخب عضواً للكنيست للمرة الأولى عام 1988 ليعينه اسحق شامير وزيراً بلا وزارة لكنه استقال منها احتجاجاً على مؤتمر مدريد 1991. وفي عام 1999 أسس كتلة <<الاتحاد القومي>> من المنشقين عن أحزاب المفدال وغيشر والليكود وشغل في حكومة شارون منصب وزير السياحة.

ومن أشهر ما عرف عن أفكار زئيفي خلال زعامته لحزبه <<موليدت>> (الوطن) دعوته المتكررة إلى طرد الفلسطينيين وذلك كسبيل وحيد وأساسي لحل جميع مشاكل الكيان الصهيوني السياسية والأمنية والثقافية.