الدولة المفترضة من قبل الولايات المتحدة تصفية للقضية الفلسطينية

صرح الرئيس الأمريكي  جورج بوش بأن إقامة دولة فلسطينية كانت دائماً جزءاً من الرؤية الأمريكية لحل قضية الشرق الأوسط في إطار ما يسمى" بعملية السلام"و قد جاء هذا التصريح  في غمرة الحرب العدوانية الأمريكية على أفغانستان،ليوهم البعض في أمتنا بأن تغييراً قد طرأ على السياسة الأمريكية إزاء قضية فلسطين، وأن هذا التغيير يصب في مصلحة الشعب الفلسطيني وذلك بغية خداع الفلسطينيين والعرب والمسلمين وإضعاف مواقفهم المناهضة لهذه الحرب العدوانية.

والمتمعن في تصريح بوش الذي يتحدث عن أمن الكيان الصهيوني والمفاوضات سيتوصل دون أي معاناة إلى أن لا جدي في فكرة الدولة المزعومة،فالدولة بحد ذاتها ليست محل خلاف بين مختلف الأطراف المعنية بالتسوية،لكن المشكلة تكمن في تحديد خصائص هذه الدولة وسيادتها وحدودها وطبيعة علاقاتها بالكيان الصهيوني،ويذكر في هذا السياق بأن الرؤية الأمريكية للدولة لم ترتبط بتفجيرات 11/9/2001 كما قد يتبادر إلى للذهن،إذ أن التفكير الأمريكي بالدولة سبق 11/9/2001 وكان حاضراً على الدوام في خطط الإدارات الأمريكية الهادفة إلى ترتيب أوضاع المنطقة وقد جاء الإعلان الأمريكي من هذه الرؤية المستقبلية للدولة في هذه المرحلة كإجراء تكتيكي ومن موقع أزمته في سياق تهيئة الظروف المناسبة لبناء تحالف دولي باسم محاربة الإرهاب يكون العرب والمسلمون طرفاً فيه، ويعطي الولايات المتحدة الأمريكية حق التفرد في قيادته،وبالتالي لتطلق أحكامها على الآخرين انطلاقاً من موقفه من هذا التحالف،وبلغة الكاوبوي التي أعلنها بوش" من ليس معنا فهو ضدنا"،وهذا يعني على الصعيد الفلسطيني وأد الانتفاضة والعمل على تنفيذ تقرير ميتشل،وخطة تينت الأمنية على اعتبار أن مقاومة الاحتلال واستمرار الانتفاضة من وجهة النظر الأمريكية هو عمل إرهابي وغير مشروع.

ومن الجدير ذكره أن الإعلان الأمريكي أدى إلى تغذية الأوهام لدى قيادة السلطة للاستمرار في المراهنة على الولايات المتحدة وتشجيعها  على أداء دورها الذي التزمت به في اتفاقات أوسلو وحثها على وقف الانتفاضة واعتقال المناضلين،وضرب كل من يقاتل العدو الصهيوني،واعتباره خارجاً عن القانون، وهو ما قامت به فعلاً، هذا يؤدي إلى ضرب القوى المناضلة التي تتبنى خيار المقاومة واستمرار الانتفاضة،والسؤال الذي  يطرح نفسه في ظل أطروحات بوش،أي دولة فلسطينية تريد الولايات المتحدة في سياق حربها التي تخوضها للسيطرة على العالم و في الوقت الذي تواصل فيه آلة الحرب الصهيونية حصادها المزيد من أرواح أبناء شعبنا بالأسلحة الأمريكية،ويكاد لا يمر يوم واحد منذ تفجيرات نيويورك وواشنطن دون إنضمام قائمة أخرى من الأسماء إلى قافلة الشهداء التي تتضاعف متوازية إلى عملية الاقتلاع والتوغل التي تجري في كل مناطق الضفة والقطاع.

واستطراداً نتساءل: هل الدولة المزعومة ستقوم على أرض الضفة والقطاع بالكامل التي احتلت عام 1967،وبالتالي هل سينسحب الصهاينة منها؟ هل سيخلون المستوطنات جميعها؟ وهل ستتمتع هذه الدولة بالسيادة الكاملة على أراضيها وأجوائها ومصادر المياه فيها؟ وهل ستكون القدس عاصمة لها؟.. وما هو الموقف من عودة اللاجئين-إلى أرضهم التي طردوا منها عام 1948 ؟

إن المسألة واضحة لا تحتاج إلى الكثير من التحليل فالرئيس الأمريكي اشترط في تصريحاته بالنسبة إلى الدولة الفلسطينية الاعتراف بحق الكيان الصهيوني في الوجود وضمان أمنه،كما أن الكيان الصهيوني نفسه بيمينه ويساره سبق وأن وافق على إقامة الدولة المزعومة شرط أن تقوم على قسم من الأرض التي احتلت عام 1967 ،وهي منقوصة السيادة مقترنة مع استمرار بقاء المستوطنات وضم القدس نهائياً للكيان الصهيوني،ورفض عودة اللاجئين ومن هذا المنطلق فقد أعلن شارون بنفسه عن تأييده لإقامة دولة يتم إنشاؤها في إطار اتفاق يستجيب لجميع المتطلبات الأمنية للكيان الصهيوني،تكون منزوعة السلاح ويقوم الجيش الصهيوني بمراقبة حدودها الخارجية واستخدام مجالها الجوي،ولا تمتلك حق إبرام معاهدات أو اتفاقات مع بلدان مناوئة للكيان الصهيوني.

باختصار إن ما تريده الولايات المتحدة من طرحها لموضع الدولة هو إعادة إنتاج ما تم تداوله في كامب ديفيد بشكل أو بآخر حيث تم الاتفاق في حينه على حلول لموضوع القدس تتضمن اعتبار المسجد الأقصى تحت سيادة العرب والمسلمين،وإدارة فلسطينية،وبالمقابل يقيم الصهاينة على جدار المسجد الأقصى(حائط البراق) هيكلهم المزعوم،وفيما يتعلق بحق العودة فقد تم في كامب ديفيد الاتفاق على عودة بضعة آلاف من اللاجئين وعودة بعض النازحين إلى مناطق  سلطة الحكم الذاتي مع إبقاء المستوطنات(الكتل الكبرى) والتي تساوي مساحتها نسبة 25% من مساحة الضفة الغربية تحت السيطرة الصهيونية، وعلى أن لا تكون الحدود مفتوحة مع مصر والأردن بالنسبة للسلطة، ويمكن الاستنتاج من خلال ما تقدم أن مساحة تلك الدولة المزعومة لن تزيد عن 10-12 %من مساحة فلسطين.

وتأسيساً على ما سبق يمكن القول:

إن حديث الولايات المتحدة عن دولة فلسطينية يسيطر الصهاينة على حدودها من كافة الجهات تشكل المرادف للحديث عن دودة قز كبيرة تعيش في ظل التهديد الدائم بالخنق، فأي دولة تلك التي تبقى مفاعيل الاحتلال وتشرعه على جميع الصعد السياسية والاقتصادية والبيئية والسكانية والعسكرية،ومقابل  التخلي عن أكثر من 80% من فلسطين والإقرار بمشروعية احتلال العدو الصهيوني لفلسطين، وهو ما لا يمكن أن يقبله شعبنا وقواه الحية،فهذه المساحة التي يراد إقامة دولة عليها ليست فلسطين،وليس من أجل هذه الدولة المسخ ناضل شعبنا منذ قرن وواصل ثوراته المتلاحقة.

إن اطروحات بوش حول الدولة والتجاوب من قبل سلطة الحكم الذاتي معها وبما يشكل من مخاطر تهدد قضية فلسيطن بالتصفية يتطلب من قوى أمتنا وشعبنا ما يلي:

- ضرورة التوقف بعمق وجدية لرؤية أبعاد وخطورة ما تهدف إليه الولايات المتحدة،حيث أثبتت التجربة على مدى العقد الماضي، مثال ذلك "الحالة العراقية" أن الملف الفلسطيني يسخن فجأة ويحتل عناوين وسائل الإعلام حينما تكون هناك نوايا وخطط حربية عدوانية تدميرية ضد العرب والمسلمين والتي ترتبط أصلاً بمدى نجاح الحملة الأمريكية، الأمر الذي يتطلب على المستوى الشعبي والرسمي الحذر وعدم الاستجابة لمثل هذا الطرح،وإدراك أبعاده ومخاطره على قضية فلسطين،فالدولة المقدمة هي تصفية للقضية الفلسطينية، لأن الهدف مما هو مطروح وقف الانتفاضة واعتبار من يخالف هذا التوجه خارجاً عن القانون.

-أما على المستوى الفلسطيني فإن شعبنا وقواه المناضة معنية اليوم أكثر من أي وقت مضى بالتمسك بالانتفاضة وخيار المقاومة والتصدي لسلوك السلطة وعدم الاستجابة لأي قرار من شأنه أن يوقف الانتفاضة والمقاومة، فالمطلوب في مواجهة العدو الصهيوني وحربه الدموية ضد شعبنا ، هو مواصلة النضال وتصعيده وكما أثبتت تجارب الشعوب فالحقوق لا تأتي إلا بالمقاومة،ويجب أن لا يتوه أحد في حقيقة أن الولايات المتحدة التي تمارس أبشع أنواع الإرهاب ضد قوى التحرر في العالم وتدعم وتساند الكيان الصهيوني والتي هي على رأس معسكر أعداء شعبنا وأمتنا لن تعطي شعبنا الحد الأدنى من حقوقه، وإن إعلان هذه الدولة هو شكل من أشكال هضم الحقوق إلى الأبد وتشريع الاحتلال،وفي هذا السياق فإننا ننبه شعبنا وقواه المناضلة من خطورة ما يطرح حول الانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران،مقروناً بإسقاط حق العودة من الحسابات ودون تجسيده،لذلك فإن ما يطرح من شعارات لجهة حق العودة وتقرير المصير والدولة أكذوبة يراد بها تضليل شعبنا والإيهام بأنهم أتوا بما أرادوه.

إن حقوقنا تنتزع بالقوة والمقاومة وبدعم وإسناد أمتنا العربية والإسلامية وكل الأحرار في العالم، فنحن أصحاب حق وقضية ونضاله عادل ومشروع وهم الذين يمارسون الإرهاب،وأن ما تطرحه الولايات المتحدة حول ذلك لا يشكل قناعة جديدة حقيقية تبلورت بل أن المسألة لا تتعدى مناورة لكسب الوقت من أجل إنتاج الشرق الأوسط من جديد ودخول العرب والمسلمين في حلف أمريكا وأن يكون العرب جزء من هذا الحلف.

فالولايات المتحدة الأمريكية ليست قدراً وأن التحالفات القائمة اليوم تحت عنوان مواجهة ما يسمى الإرهاب لن تستمر، فاستراتيجية الولايات المتحدة  الشرق أوسطية كانت دائماً تستند إلى ثنائية:إضعاف العرب وتقوية تسليح الكيان الصهيوني،إنهم يريدون أمركة العالم، والهويات الوطنية للشعوب لهذا كله فكل أحرار العالم معنيون اليوم بخلق  إطار أممي في مواجهة السياسة الأمريكية للنضال من أجل الحرية والاستقلال والعدالة الاجتماعية ومواجهة النهب والاستغلال التي تمارسه الولايات المتحدة والتي نصبت نفسها قاضياً وجلاداً  وحاكم عسكري على الشعوب ومقدراتها.

ونحن على ثقة بأن أمتنا العربية والإسلامية  ومعهم كل أحرار العالم لن يخشوا الرامبو الأمريكي، وشعبنا ومعه كل القوى الحية مستمر في المقاومة والانتفاضة ومواجهة ما تخطط له الولايات المتحدة،والهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، ومن هنا فإن شعبنا لن يخدع بالأوهام واَلأضاليل التي تسوق ولن يستطيع أحد  أن ينال من إرادة شعبنا، وهو سيواصل المقاومة والانتفاضة لأنه يدرك أن وقف الانتفاضة لن يكون إلا هدراً وتفريطاً لكل التضحيات وصك استسلام للمشروع الأمريكي- الصهيوني.

إن شعبنا مستمر في نضاله ولن يقبل بأي حلول تنتقص من كامل حقوقه في فلسطين وهو يعي أن الدولة المزعومة التي يتحدث عنها بوش ما هي إلا تصفية للقضية، ولذلك فإن خيار المقاومة ومواصلة الانتفاضة وهو حق لكل الشعوب التي تناضل من أجل حريتها واستقلالها وهذا ما اقرته الشرائع والقوانين والعراف الدولية.

وإن شعبنا عبر سلوكه خيار المقاومة والكفاح يمارس حقه المشروع في مواجهة اعتى أنواع إرهاب الدولة المتمثل في الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين.

----------------------------------------