كفر قاسم في 29/10/1956م

ذاكرة وطن باق

أحمد علي هلال

الخامسة مساء، يوم 29 تشرين الأول 1956، والشمس قاربت على المغيب، لقترب أحد الجنود الصهاينة من وحدة حرس الحدود المرابطة على مدخل قرية كفر قاسم، وسأل اثنين من أهل كفر قاسم، من أين أنتم؟ قالا:من كفر قاسم، قال لهم: ضعوا دراجاتك هنا والحقوني، شعرا بأن ثمة شيئاً غريباً يحدث، أخرج أحدهم تصريحه.. لكن الجنود لم يكترثوا، بل دفعوهم لطابور طويل.. وسط الدهشة وتواتر الأسئلة والصمت والارتباك، شق ارتياب الأهالي صوت يقول: احصدوهم، وبدأت زخات الرصاص تنهمر من كل حدب وصوب، لحظات وكأنها الدهر.. ثم جمعت جثث الشهداء وألقيت على حافة الطريق، وتوالت المشاهد الرهيبة التي تكشفت عن مجزرة مروعة، وحينها أدرك سكان كفر قاسم أن الهدف من تلك المجزرة هو إجبارهم على الرحيل، ثلاثة وأربعون شهيداً عرفوا صباح اليوم التالي، وبقي لمن نجا أن يسرد الوقائع الناطقة بالأهوال، يعيد ترتيب الوقائع، يقدم شهادته عن سجل دموي للصهيونية وإرهابها المنفلت، والصهيونية هي تاريخها القائم أصلاً على سلسلة من المجازر المستمرة، الوقائع والأرقام والتواريخ تترجم الإرهاب الصهيوني، والحاجة إلى تجديد وجود الصهاينة بطريقة وحيدة هي الحرب، وإلى ملء هذا الوجود بأسباب مستمرة بجدارة التفرد وهي:القتل، القتل، القتل.

إن جغرافية المجازر تشير إلى أن أساطين الإرهاب العتاة، وإلى ولوعهم في الدم العربي الفلسطيني منذ عام 1947 وإلى اليوم، من أجل <<أرض أكثر وعرب أقل>> من بن غوريون وغولدا مائير ودايان ونتنياهو وباراك وبيريز زرابين وشارون.. والهدف هو الترحيل <<الترانسفير>>.

إن سؤال المجزرة لصيق بمشروع صهيوني <<لا دوام لدولته>> بغير المذابح والقتل. وفي المقابل تنهض مقاومة، انتفاضة تعيد للذاكرة وجودها، تعيد كل يوم فلسطين الشهيدة لذاكرة الحضور العربي الراسخ، لتكون فلسطين هي شعبها بروحه الشاهدة على وجوده، العصية على القتل والاقتلاع والنسيان..

-----------------------------------------