حروب

" إمبراطورية الكاوبوي "

أهداف جغراسياسية.و نفطية .

" الحقيقة في زمن الحرب ثمينة جداً ، و لا بدّ من إحاطتها بحرص من الأكاذيب "

ونستون تشرشل  

" إنّ العاصفة ستاتي و سترون وحشاً في كل حبة رمل  "

الشاعر الأفغاني بهاء الدين مجروح

تنطوي توصية الرئيس الأمريكي الراحل ريتشارد نيكسون في كتابه " أمريكا و الفرصة التاريخية " على رفض ألوية القدرة الاقتصادية على حساب القوة العسكرية ، و ضرورة إعطاء الصدارة للاعتبارات الجيوسياسية ، على منطق يضرب في العمق كل ما جهدت البشرية لتشييده منذ العصر الحجري حتى أيامنا.. من مفاهيم إنسانية و رقي حضاري ، ليضعها أمام تجربة جديدة لمفهوم القوة المجردة ، لا تقل وحشية و ضراوة عن سلفها التجربة النازية ، خلال الحكم الهتلري في ألمانيا ، حيث حازت الإطراء الأمريكي عام 1937 ، بإعلان وزارة الخارجية الأمريكية ، أن الفاشية و النازية تتوافق مع المصالح الأمريكية . و لا غرو في ذلك ما دامت المبادئ الناظمة للسياسة الأمريكية الخارجية أخذاك ، مبدأ مونرو ، قبل أن تتناسل لاحقاً  مبادئ جديدة ، من مبدأ ترومان ، ألا يبدأ أيزنهاور ، و مبدأ نيكسون ، فمبدأ كارتر

إلى مبدأ بوش ، شيدت وفق الاعتبارات ت و المصالح الجيوسياسية ، الحاكمة كذلك بسلوك النازي ، بشكل واضح كل الوضوح ، في السيطرة الإقليمية و العالمية .

ربما كان أفضل تلخيص لها ، قول الجغرافي الألماني مزيدريك راتزل " إنّ الدول القوية يجب أن تكون لها مساحات تمتد إليها لتنمو " . وهو قول ارتكزت عليه بلا شك سياسة التوسع النازي ، و الحرب الشاملة ، حتى صارت ثوابت مدرسة ميونيخ في الجغرافية السياسية . كما تجلت فكرتي " المدى الحيوي " أو " المجال الحيوي "

و " الاكتفاء الذاتي " إلى درجة وضعت نطاقاً للسيطرة على قارات العالم ، بصيغة أقاليم كبرى ، تتكون من أمريكا الكبرى أوربا أفريقيا روسيا الكبرى ،

و تكشف المقارنة بشكل جلي و بما لا يدع مجالاً للريبة ، أن أطروحات نيكسون ،

ما هي إلا صدى لا طروحات ، راتزل ، المنظر  الجيوسياسي للنازية . بداية من استلهام نيكسون لمقولة راتزل الآنفة الذكر ، في قوله : " إنّ الولايات المتحدة تقف على الذروة من سلم القوة الجيوسياسية ، و إذا ما أصاب التاكل مركزها كدولة عظمى وحيدة في العالم ، فإن ذلك سوف يكون لقرارها و اختيارها الحتمى "

فضلاً عن التماثل في النظرة حيال المحيط الهادي . ففيما يسميه راتزل عام 1900

بـ " محيط المستقبل " ، فأن نيكسون يراه " القطار الاقتصادي للعالم " هذا و يبدو أن إعطاء الاعتبارات الجيوسياسية و القوة العسكرية ، صدارة الاهتمام في السياسة الأمريكية لفرض سيجغرافيا على العالم  ، مرده في جانب إلى التاكل التدريجي في أدوات الهيمنة الاخرى : الاقتصادية و التكنولوجية . فالاقتصاد الامريكي على سبيل المثال شهد في الاعوام الاخيرة تراجعاً كثيراً فقد انخفضت مساهمته في معدل الناتج الإجمالي العالمي من 42 بالمائة إلى 25 بالمائة . و هي معرضة للمزيد من التراجع خصوصاً في أعقاب عاصفة الطائرات يوم الحادي عشر من أيلول و الخسائر الجسيمة في الاقتصاد الامريكي . قدرها محمد حسنين هيكل بـ ( 2) تريليون دولار ، أي ما يعادل الخسائر في الحرب العالمية الثانية إضافة إلى التكلفة الباهظة ، وغير المعروف حجمها للحرب الكونية الجديدة " حرب مكافحة الإرهاب " إذ تشير التقديرات إلى أن تكلفة حرب أفغانستان لوحدها ستصل إلى ( 65 ) مليار دولار ، وثم اتجاه الاقتصاد العالمي من مرحلة الانكماش إلى مرحلة الكساد . إلى جانب ذلك هناك الخوف من " تاكل المصالح القومية الأمريكية " ، نتيجة فقدان و تفكك الهوية الأمريكية بعد الحرب الباردة ، ومن ثم تحلل المصالح الأمريكية التي تستند في تحديدها إلى الهوية ، التي لا تتأكد حسب رؤية صمؤيل هنتغون في مقاله المعنون " تاكل المصالح القومية الامريكية " إلا في الحروب و التضاد مع الاخرين . لذا فأمريكا دائماً بحاجة إلى عدو و وجود العدو يفترض شن الحرب بلا توقف .

و كل ذلك لأجل أن تبقى أمريكا . إذ يدون العدو يصبح وجودها مشكوكاً فيه، وفي هذا الصدد يسترجع هنتغتون في مقالته الصادرة عام 1997 ، قول القائد الروماني " سلاّ " بعد انتصاره على " ميثرا ديتس " : " الان لم يعد يقدم لنا العالم أعداء ، ترى ما مصير الجمهورية ؟ يقول هنتغتون : " جاءت الإجابة سريعاً بانهيار الجمهورية الرومانية بعد سنوات قليلة " و في هذا السياق ندرك قول رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيوش الأمريكية ، الحالي الجنرال ريتشارد ماير " إن أمريكا التي انتصرت في الحرب الباردة عليها أن تجعل الوضع الذي جاء بعدها ( سلاماً ساخناً ) حتى لا تنسى حقائق القوة في أوقات الصفاء و الاسترخاء "

و بالتالي كانت حروب أمريكا الـ ( 277 ) منذ قيامها و الـ ( 63 ) منذ عام 1990 ، ثم هناك مايسميه هنتغتون في كتابه " صدام الحضارات ، إعادة صنع النظام العالمي " التغير في ميزان القوى بين الحضارات ،

بريطانيا و عملية الانضمام إلى اليورو

 توفيق المديني

    في الوقت الذي تحافظ فيه الدانمارك على موقفها الرافض للانضمام إلى منطقة اليورو منذ عام 1992 ، يبدو أن الرأي العام السويدي الذي قال " لا " في عام 1997 ، يتجه لمصلحة اعتماد العملة الأوروبية الموحدة . أما في بريطانيا المدفوعة خارج النظام النقدي الأوروبي منذ عام 1992 ، فإن رئيس حكومتها طوني بلير ، الذي اعتقد الجميع بأنه مستوعب من قبل دوره كرائد أوروبي في الصراع ضد طالبان ، نجده على العكس من ذلك ، يطلق بقوة إمكانية انضمام بريطانيا إلى الاتحاد الاقتصادي و النقدي الأوروبي ، حين التزم بتنظيم استفتاء خلال الولاية التشريعية ، قبل 2006 .

    و كان رفض هذه البلدان الثلاثة الانضمام إلى اليورو ، قد جعل أوروبا تسير بسرعتين ، بين أولئك الذين يريدون المضي قدما في عملية الاندماج ، التي تتضمن تبني العملة الأوروبية الموحدة اليورو ، - حتى و إن كانت شاقة- ، و بين أولئك الذين يشفون غلتهم من منطقة واسعة من التبادل الحر . و على الرغم من ذلك ، فإن هذا الأمر لم يمنع رئيس الحكومة البريطانية طوني بلير من الإعلان ، بأنه متحمس للعملة الأوروبية الموحدة . غير أنه من أجل الدخول ، أضاف في عام 1997 إلى بلاده مجموعة من العقبات الاقتصادية لتلك المتطلبة من الاتفاقيات الأوروبية : لا يجوز لبريطانيا أن تعاني من تبني اليورو ، بل إن هذا الاخير يجب أن يكون في صالح الاستثمار طويل الأمد في بريطانيا ، و يجب أن يسهم في تحسين النمو الاقتصادي و الاستقرار ، و خلق فرص العمل ، و أخيرا ، يجب أن تتقارب الدورات الاقتصادية في بريطانيا مع منطقة اليورو .

    و تعتبر هذه المتطلبات ضرورية لاقناع السكان البريطانيين ، الذين مازالوا يرفضون العملة الأوروبية الموحدة حسب آخر إحصاء بنسبة 51% ، بينما نجد منهم 34% يريدون الانضمام إلى اليورو. و في المؤتمر الأخير لحزب العمال البريطاني الحاكم الذي عقد في بريغتون بداية شهر أكتوبر الماضي ، رفض طوني بلير في خطاب اعتبرته الصحافة بمنزلة " المعتقد بالمسيحية " ، الانعزالية ، و حدد مستقبل بريطانيا في الاتحاد الأوروبي ، و في الدعم الذي تقدمه للولايات المتحدة بعد أحداث 11 أيلول . و وعد بلير أيضا بأن الاستفتاء حول اليورو سوف يتم قبل نهاية الولاية التشريعية الحالية ( أي على أقصى تقدير في عام 2005) ، إذا توافرت الشروط لانضمام بريطانيا .

    و قد تعاملت الأسواق مع هذا الإعلان البريطاني بجدية ، إذ انخفض الجنيه الإسترليني بالقياس إلى اليورو ، ( و يقدر الخبراء بأنه مع دخول بريطانيا سوف يكون سعره أقل من أسعاره الحالية ) ، و تقلصت الفوارق بين معدلات الفائدة للعملتين . و تؤكد ردود الأفعال الإيجابية هذه ، بأنه على الرغم من استمرار معارضة الرأي العام البريطاني ،الاأن احتمال انضمام بريطانيا إلى اليورو قد كسب مصداقية كبيرة منذ أربع سنوات .

    و حول التقارب بين اقتصاديات منطقة اليورو و بريطانيا ، تظهر دراسة حديثة أعدها بنك مورغن ستانلي دين و يتير ، مزامنة بين هذه الاقتصاديات . و بينما كانت الدورة الاقتصادية البريطانية في بداية عقد التسعينات ، تتقدم على مثيلتها في منطقة اليورو بحوالي سنتين ، و تتبع عن قرب الأحوال الاقتصادية الأميركية ( انكماش في عام 1991 – 1992 ، و انطلاق في عام 1994 ) ، نجدها تقترب من الدورة الاقتصادية الأوروبية منذ عام 1997 – 1998 . إضافة إلى ذلك ، فإن الفارق بين معدلات الفائدة بين البنك المركزي البريطاني و البنك المركزي الأوروبي قد تقلص تدريجيا ، فانتقل من 4 نقاط في عام 1999 إلى 75 ،0 اليوم . و أخيرا ، و منذ أواسط العام 2000 ، توقف الجنيه عن تبادل التقدير ، و تطور بشكل مواز مع اليورو . هل يمكن مع ذلك ، أن نتحدث عن تقارب ؟ يقول الاقتصادي أنطوان برونيت : " في الواقع يبدو الاقتصاد البريطاني قريبا من الازدهار ، بينما في منطقة اليورو بدأ التباطؤ الاقتصادي . لا شك أن معدلات الفائدة ذات الأجل القصير ليست متباعدة ، لكن في منطقة اليورو لا يمكن لها إلا أن تنخفض ، بينما في بريطانيا هي قريبة من المسموح به ".

    إن مسألة التقارب هذه تنضم إلى مسألة الليونة ، أي هوامش المناورة التي تتمتع بها السلطات البريطانية لمواجهة صدمات الانضمام إلى اليورو . و توجد هذه الهوامش على صعيد الموازنة ، إذ أن بريطانيا بعكس باقي البلدان الكبيرة في القارة الأوروبية ، تخزن فوائض مريحة منذ ثلاث سنوات ( 75 ،1 % من الناتج  الداخلي الخام للسنة 2000 – 2001 ) . و هذا الوضع يسمح للحكومة البريطانية بانتهاج سياسة زيادة النفقات العامة للخروج من طور التباطؤ بأسرع وقت ممكن .

    و على الرغم من الخصوصيات الهيكلية التي تتمتع بها بريطانيا ، على صعيد القارة الأوروبية إلا أن مصلحتها تكمن في الاندماج في منطقة اليورو . فمع بداية العام المقبل 2002 ، يصبح اليورو عملة واقعية ل 304 مليون أوروبي ، و متداولة في الدول الأكثر تطورا في العالم و التي قررت استخدامها ، و هي ألمانيا ، النمسا ، بلجيكا ، إسبانيا ، فنلندا ، فرنسا ، اليونان ، ايرلندا ، إيطاليا ، لوكسمبورغ ، هولندا و البرتغال . و بذلك تصبح منطقة اليورو " الأورولند " القطب النقدي الثاني في العالم . و في مقارنة مع الولايات المتحدة ، فإن منطقة اليورو تتمتع بتفوق واضح على صعيد التجارة العالمية  . فقد مثلت بلدان منطقة اليورو المستقبلية نسبة  7 ،17% من الصادرات العالمية من الخدمات و الخيرات في عام 2000 ، مقابل نسبة 7  ،14 % للولايات المتحدة . و أبعد من البلدان الأوروبية الأعضاء ، فإن اليورو يتمتع بمنطقة نفوذ مهمة في أربعة عشر بلد من أفريقيا الغربية و إفريقيا الوسطى الذين سيستفيدون من تكافؤ ثابت بالقياس إلى اليورو ،و في عدة بلدان من البلقان التي تستخدم اليوم المارك الألماني، و التي سوف تنزلق في منطقة اليورو ، و في حوض البحر المتوسط .

    و مع آفاق توسع الاتحاد الأوروبي ، فإن منطقة اليورو سوف تكتسب أهمية كبيرة . و مع أن العملة الأوروبية الموحدة فقدت ربع قيمتها بالمقارنة مع الدولار ، منذ خلقها في 1 كانون ثاني عام 1999 ، و عانت العام الماضي من ضعف مزمن قبل أن تستقر في عام 2001 ، إلا أن اليورو بوصفه عملة احتياطية تتمتع بقوة تطورية أيضا ، بعد البدايات الخجولة له . و حسب تقرير صندوق النقد الدولي الصادر في نهاية عام 2000 ، فإن العملة الأوروبية الموحدة مثلت 13% من احتياطات التبادل ، مقابل 68% للدولار . و تنتظر بعض البنوك المركزية في آسيا بوجه خاص ، قبل أن تبدأ في الاستثمار في العملة الجديدة ، خصوصا أن حكومات منطقة اليورو و المفوضية الأوروبية لا يمتلكان أية سلطة على البنك المركزي الأوروبي ، الذي منحه اتفاق ماستريخت استقلالا حقيقيا .

    أمام هذه التحولات الكبيرة على الساحة الأوروبية ، هل ستبقى  بريطانيا خارج نطاق منطقة اليورو ؟ إن ميل كفة  الرأي العام البريطاني لمصلحة الانضمام إلى اليورو يتوقف بالدرجة الرئيسية على تطور شعبية  طوني بلير الذي ربط مصيره السياسي بمسألة اليورو .

 

شبح العولمة

يتخفى وراء " مكافحة الإرهاب "

ازدادت حالة السخط لدى الكثير من شعوب العالم إجراء السياسات التي فرضتها الحركة العولمية الجارية تحت وطأة الهيمنة الأمريكية بما أحدثته من تناقضات سياسية و اجتماعية و اقتصادية . فقد أظهرت الاحتجاجات و المظاهرات المناهضة للعولمة ارتفاع مستوى الوعي الشعبي الرافض لهذه السياسات . ليس في الدول النامية فحسب بل في البلدان المتقدمة ايضاً

بسبب اتساع الهوة الناشئة بين الأغنياء و الفقراء و ازدياد حجم العاطلين عن العمل . مما زاد في حدة المواجهة مع رموز السوق الرأسمالية المتوحشة في ظل الفوضى القائمة منذ حرب الخليج الثانية . الأمر الذي دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى استخدام القوة العسكرية من أجل إخضاع شعوب العالم و تفكيك مجتمعاتها تحت سطوة العولمة المدججة بالسلاح .

ويرى الخبراء في منظمة التجارة العالمية أن المظاهرات الاحتجاجية ضد العولمة في سياتل و دافوس و بانكوك كما في جنوى و أخيراً  في الدوحة . قد أبرزت حجم التناقضات التي أحدثتها السياسات المدمرة المرسومة من قبل البنك الدولي و صندوق النقد الدولي . و التي أثبتت أنها لا تخدم تطوير التنمية الاقتصادية في الدول النامية التي تتطلع إلى الازدهار و التقدم. كما أنها تساهم في زيادة حجم التراكم الرأسمالي الذي يؤدي إلى مزيد من الاحتكار في البلدان الغربية . و تركيزها في يد فئات قليلة من الرموز الرأسمالية على حساب حشود كبيرة . بينما تتمسك الولايات المتحدة الأمريكية كما اعتادت برؤية " النظام الجديدة على أنه خيار نهائي للشعوب . و أن وجود بعض الأطراف ممن تعتبرهم "دولاً مارقة" لأنهم مازالوا يرفضون هذه السياسات و يقاومونها . هم حالة استثنائية و يجب أن تزول إن عاجلاً أو آجلا  حتى لو  احتاج الأمر مزيداً من عمليات التجويع و الإبادة . فقد أجابت  وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين اولبرايت عن سؤال فيما إذا كان الحصار على العراق يستحق أن يموت في سبيله نصف مليون عراقي فقالت : " أنه لخيار قاس جداً ، و لكننا نعتقد أن الأمر يستحق ذلك "

تشير تقارير مركز الدراسات الاستراتيجي الأمريكي أن الولايات المتحدة تسعى للحفاظ على مكانتها العسكرية التي لا يوجد لها منافس في العالم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ، و ذلك من أجل الاحتفاظ " بحق " التدخل العسكري في أي بلد يخالف سياساتها الخارجية من أجل توفير الدعم لمشروعها الاقتصادي الذي بات مهدداً بسبب ازدهار حركات الاحتجاج و العنف التي ولدها التفاوت الكبير في توزيع الثروة و تفاقم الأزمات الاجتماعية . مما يعني أن اليد الرأسمالية التي أطلقت في السوق لم تعد قادرة على فرض آليات الهيمنة . و أن العولمة لم تعد قادرة على النجاح من دون القوة العسكرية .

ان التداعيات التي أعقبت الهجمات التي استهدفت مبنى التجارة العالمية و البنتاغون في نيويورك و واشنطن في الحادي عشر من أيلول ، عكست تحولات كبيرة صممت من خلالها الإدارة الأمريكية على الاستمرار في استراتيجية الهيمنة الرامية إلى فرض نظام أمني دولي يتناسب مع المصالح الاقتصادية الأمريكية . و قد فتحت الباب على حقبة جديدة من الصراعات التي لا حدود لها . بدأت بالحرب على أفغانستان و يمكن أن تمتد إلى سنوات عديدة ضد ما يسمى " بالإرهاب " بوصفه عدو متحرك لا قومية له حسب إعلان الإدارة الأمريكية التي دعت دول العالم للوقوف إلى جانبها تحت طائلة توجيه الاتهام لمن يخالفها .

على نحو يضمن لواشنطن الاستمرار في استراتيجية الهيمنة " العولمة " التي تهدف إلى إقامة نظام عالمي جديد .

و يتضح أن هناك أوراق أخرى في الحرب التي بدأت على أفغانستان لم تفصح عنها الإدارة الأمريكية . و إنما تركت الباب مفتوحاً أمامها لكي تواصل حربها ضد الدول التي لا تتماشى سياساتها مع الاستراتيجية الأمريكية مستخدمة شعار " مكافحة الإرهاب " الفضفاض الذي يمكن تفسيره و تأويله وفق الرؤى الأمريكية التي تناسب هذه الحرب .

ففي الوقت الذي ينكب فيه البنتاغون على بناء مشروع الدرع الصاروخي الذي جعل منه " ثورة في الشؤون العسكرية " اتخذ بعض الاستراتيجيين في البيت الأبيض من شعار مكافحة الإرهاب ذريعة للاستمرار في الحرب وفق آليات متناسقة مع إستراتيجية التسلح التي عبر عنها الرئيس الأمريكي جورج دبليوبوش بأن مشروعه موجه ليس ضد قوى نووية .

بل ضد من دعاهم " بالدول المارقة " أو ضد مجموعات قادرة على إطلاق صواريخ باتجاه الولايات المتحدة أو على مصالحها في أي مكان في العالم .  و تأتي دول العالم الثالث في المقدمة حيث تمارس الإدارة الأمريكية بسط سيطرتها كاملة على هذه الدول . و يرى صانعوا القرار الأمريكي أن الخيار الأفضل في هذه المرحلة هو الضرب بالقوة العسكرية الفاعلة . للحيلولة دون تبلور بديل شعبي استرابيجي يهدد المصالح الأمريكية . بعد انهيار الاتحاد السرفييتي بوصفه الطرف الذي شكل تحدياً عسكرياً فعلياً للولايات المتحدة . الأمر الذي يفتح الطريق أمام ظهور حركات دينية و جماعات اثينة و طائفية . في ظل غياب الدور الفاعل للأنظمة القائمة التي لا تمتلك القدرة الاقتصادية و العسكرية التي تساعدها على ايجاد استراتيحية مستقلة . و لا يوجد لديها تصورات خاصة لمستقبل العالم بسبب الطبيعة الفكرية و السياسية للفئات الحاكمة التي تحتكر السلطة في معظم هذه الدول . و لم تتمكن من توفير المشاركة الفاعلة لشعوبها كي تساعدها على مواكبة التطورات الجارية على المستوى العالمي . في حين أن الأنظمة ذات الطابع الوطني وعلى الرغم من النجاحات التي حققها في التصدي للأخطار الخارجية سواء كانت عسكرية أو سياسية ، إلا أنها لم تتمكن من جعل الدول الرأسمالية تقبل استقلال الممنطقة بشكل تام .

لقد اعتبرت الولايات المتحدة شعوب العالم الثالث قوى خطيرة بسبب حدة المشاعر المعادية لتطبيقات العولمة . و يبدو أن التطورات التي حدثت في بنية النظام العولمي حالت دون تجاهل ردود الفعل من قبل الشعوب " ضحايا العولمة " . كما أن النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة أدركت أن الخطاب السائد الذي يزعم أن الأسواق تضبط

 من تلقاء نفسها ، و أن سيادتها المطلقة يمكن أن تتحقق دون قيود . إنما هو خطاب نظري مبتذل حيث أثبتت التجارب أن الاختلال في موازين القوى في ظل الهيمنة الرأسمالية يخلق الفوضى على المستوى العالمي بسبب النظرة الطوباوية لدعاة الرأسمالية التي تعتمد على قاعدة الربح من أجل تحقيق الازدهار الاقتصادي للمجتمع بشكل تلقائي . فقد أصبحت المنافسة في الأسواق تتم على حساب العامل الوطني و الواقع المحلي للبلدان . مما أدى الى فرص قوانين السوق على مجمل نواحي الحياة فيها و تسليع القيم في مجتمعاتها . و أصبح الداخل الوطني محكوماً بالخارج العالمي الذي تقوده التناقضات بين الشركات الكبرى . و التي أدت الى تفجير المزيد من الأزمات الاجتماعية و الاقتصادية .و كشفت عن عجز النظام العولمي الذي قوبل بالرفض في معظم الدول و دفع شعوبها الى الثورة و التمرد .فيما ذهبت الولايات المتحدة الى توظيف موقعها العسكري الاستثنائي في إخضاع دول المنطقة من أجل ديمومة مشروعها الرامي الى السيطرة على العالم بالقوة أي أنه لن تكون هناك عولمة بالمفهوم الأمريكي دون إمبراطورية عسكرية أمريكية .

لقد عززت أحداث الحادي و العشرين من أيلول النزعة العسكرية داخل الإدارة الأمريكية و ولدت دافعاً قوياً للتقدم في السياسة العسكرية . حيث سعت الى تعبئة الرأي العام داخل الولايات المتحدة و خارجها بأنها هي المحدد النهائي للتطور في العالم . و أن حل مشاكل الدول لا يكون إلا عن طريق السيطرة الأمريكية ، انطلاقاً من أوهام أسطورة " نهاية التاريخ" بهدف تعميم " الامركة " و توظيف الأحداث الأخيرة في فرض الالتفات و التعاطف مع الإدارة الأمريكية . متمثلاً في دعوة الرئيس الأمريكي لتشكيل تحالف دولي من أجل محاربة ما أسماه بالإرهاب على قاعدة " من ليس معنا فهو مع الإرهاب " بينما وقف العالم مذهولاً من هول الصدمة التي هزت أركان إمبراطورية الكونية الجديدة التي سحقت و قهرت كثيراً من الدول ، و استثارت كراهية الفقراء ، و لم ينفعها التفوق التكنولوجي و العسكري في تجنب الكارثة . فقد أكدت حالة العداء المتنامية في كافة أرجاء المعمورة ضد محاولات الهيمنة الأمريكية أن الشعوب التي تتعرض للظلم و اعتداءات الرأسمالية القاتلة سوف تستمر في الدفاع عن نفسها أمام حركة العولمة المتوحشة . فكلما ازداد الضغط و التضييق على الشعوب كلما تصاعدت عمليات الرفض و المقاومة . و على الرغم من النمو المتسارع لاقتصاد السوق الرأسمالية . إلا أن موجة الغضب و الرفض الشعبي على نطاق واسع ، جعلت " العولمة " موضع ريبة و تساؤل . و إذا كان انفلات الأمريكي المجروح بعد الحادي عشر من أيلول سيضعه في مكان الصدارة لإحداث و تحولات " النظام العالمي الجديد " إلا أنه لن يكون نهاية التاريخ .

 

                  إبراهيم ابو ليل