اتصالات بيريز-قريع

تتواصل على إيقاع الحرب الشارونية

في ظل التصعيد العدواني الصهيوني المستمر، وفيما يواصل الصهاينة تلو المزيد من المطالب التعجيزية من سلطة الحكم الإداري الذاتي بعد كل ما قامت به هذه السلطة من خطوات وإجراءات قمعية تندرج في إطار محاولات وقف الانتفاضة، بدعوى ضبط الأمور والنظام والحفاظ علة وقف إطلاق النار، وبذريعة وقف العدوان الصهيوني وإفساح المجال لتنفيذ توصيات لجنة ميتشل التي تعتبرها السلطة السبيل الوحيد للخروج من الوضع الراهن واستئناف المفاوضات مع الكيان الصهيوني حول ما يسمى بالحل النهائي، استمرت بالإضافة إلى سلسلة الاجتماعات الأمنية سواء على مستوى ما يسمى باللجنة الأمنية العليا المشتركة أو مستوى الإدارة الأمنية الميدانية، استمرت الاتصالات السرية بين الطرفين والتي لم تنقطع ولا ليوم واحد، حسبما قال وزير الخارجية الصهيوني شمعون بيريز الذي يجري هذه الاتصالات مع ما يسمى رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني أحمد قريع بغرض المقاربة السياسية والتمويه والتغطية على أهداف التصعيد العدواني الصهيوني الرامي من خلال محاولات الإجهاز على الانتفاضة إلى فتح المجال أمام استكمال المخطط الإلحاقي التصفوي التهويدي الصهيوني، وتكريس احتلال الصهاينة للضفة الغربية وقطاع غزة تحت ستار الحلول المرحلية المتدرجة طويلة الأمد.

الانصياع العرفاتي

ومع أن سلطة الحكم الإداري الذاتي وصلت في انصياعها لإملاءات ومطالب التحالف الأميركي-الصهيوني إلى حد كاد أن يؤدي إلى اندلاع حرب أهلية فلسطينية حيث قامت بعد أن أعلنت حالة الطوارئ بشن حملة اعتقالات واسعة شملت المئات من المقاومين والوطنيين الفلسطينيين، وأغلقت أكثر من ثلاثين مكتباً ومرفقاً لمنظمات المقاومة المناهضة للاحتلال، واستولت على عدد من المعامل والورش، بدعوى أنها تقوم بتصنيع القذائف والقنابل والمتفجرات وتصدت شرطتها بالرصاص للمتظاهرين احتجاجاً على مواقفها وإجراءاتها في مخيم جباليا وغزة ودير البلح مما أدى إلى استشهاد سبعة منهم وجرح العشرات، إلا أن حكومة شارون اعتبرت كل ذلك إجراءات شكلية مؤقتة وغير كافية وطالبت وتطالب السلطة باتخاذ قرارات استراتيجية بخصوص ما يسمى مكافحة الإرهاب واعتقال قيادات منظمات المقاومة ومحاكمتهم ونزع أسلحة هذه المنظمات وضرب وتفكيك بنيتها التحتية.

وتعقيباً على خطاب عرفات المتلفز يوم 16/12/2001م والذي أكد فيه  على الوقف الشامل لكل العمليات العسكرية والمسلحة وخاصة العمليات الاستشهادية وإطلاق قذائف الهاون ومحاكمة من يقفون وراء هذه العمليات، واعتبار كل من يخرج على قرار السلطة أن ذلك غير كاف، لأن عرفات يتحدث عن وقف الانتفاضة ووصف عدد من الوزراء الصهاينة الخطاب بأنه مراوغة ولا يشكل أي تحول، كذلك اعتبر شارون الاتفاق الذي تم التوصل إليه يوم 21/12/2001م من سلطة الحكم الإداري الذاتي وحركة حماس حول وقف إطلاق قذائف الهاونات والامتناع عن العمليات الاستشهادية داخل فلسطين المحتلة عام 1948 بأنه خطير لأنه يتيح الاستمرار في عمليات <<قتل اليهود>> في الضفة والقطاع.

وقد أعلن شارون ووزير حربه بنيامين بن أليعازر وغيرهما من المسؤولين الصهاينة أن العمليات العسكرية الصهيونية ضد مناطق الحكم الإداري الذاتي سوف تستمر وأن الكيان الصهيوني سوف يتصرف بهذا الخصوص كما لو أن سلطة عرفات غير موجودة، كما أن قوات الاحتلال سوف تبقى في المواقع التي دخلتها بعد اندلاع الانتفاضة، إلى أن يتم تنفيذ كامل المطلب الصهيونية التي سبقت الإشارة إليها، كما قرر شارون أن يبقى ياسر في مدينة رام الله، في وضع يشبه الإقامة الجبرية ومنعه من الخروج منها إلى أن يتم اعتقال الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ورفاقه المسؤولين عن تنفيذ حكم الإعدام في وزير السياحة الصهيوني السابق رحبعام زئيفي.

فزاعة تقويض سلطة عرفات

وفي سياق الضغوط الصهيونية على سلطة الحكم الإداري الذاتي ومحاولة الابتزاز المزيد من التنازلات منها، لا زالت بعض أوساط المؤسسة العسكرية الصهيونية تلوح بموضوع تقويض السلطة وإقصاء ياسر عرفات الذي وصفه عدد من الوزراء الصهاينة بأنه عفا عليه الزمن ولم يعد شريكاً فيما يسمى بعملية السلام، وذكرت المصادر الصهيونية أنه خلال اجتماع المجلس الوزاري الصهيوني للشؤون الأمنية يوم 11/12/2001 طالب عدد من الوزراء الصهاينة بتقويض السلطة، لكن أجهزة الأمن الصهيونية تقدر أنه لا بديل لعرفات وأن فترة طويلة سوف تمر قبل أن يكون بالإمكان إيجاد البديل المناسب، كذلك حذر وزير الخارجية الصهيوني شمعون بيريز من أن الوضع في المناطق المحتلة بدون عرفات سيكون أسوأ بكثير منه مع وجود عرفات على رأس سلطة الحكم الذاتي.

أما نداءات ومناشدات سلطة عرفات وبعض الأطراف للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالتدخل لوقف تدهور الأوضاع في الضفة والقطاع ووقف العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني، فكانت وستظل بمثابة الطرق على حديد بارد  طالما استمر تراجع التضامن العربي وتقاعس النظام العربي الرسمي نتيجة لذلك، عن استخدام الأوراق الكثيرة التي تمتلكها الأنظمة العربية في مساندة نضال الشعب الفلسطيني ومواجهة العدوان الصهيوني.

ففي إطار ما وصف بالسياسة الجديدة للولايات المتحدة تساند واشنطن على المكشوف ودون مواربة العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني وتتبنى بشكل كامل ودون رتوش المواقف والمطالب الصهيونية وقد استخدمت الولايات المتحدة الفيتو لإلغاء القرار الذي اتخذه مجلس الأمن يوم 15/12/2001 بأغلبية 12 عضواً من أصل 15، بخصوص إيفاد مراقبين دوليين إلى المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967 وإيجاد آلية لتنفيذ توصيات لجنة ميتشل، كما صوتت إلى جانب الكيان الصهيوني وأربع دويلات صغرى من جزر المحيط الهادي ضد القرار الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 5/12/2001 حول الموضوع نفسه بأغلبية 124 صوتاً، وكرر المسؤولون الأميركيون بمن فيهم الرئيس الأميركي بوش ونائبه ديك تشيني الحديث عن أن من حق الكيان الصهيوني الدفاع عن نفسه، في مواجهة ما وصف بالإرهاب، ونسب إلى بوش القول حسبما ذكرت المصادر الصهيونية أنه لو كان في مكان شارون لفعل الشيء نفسه الذي يقوم به رئيس الوزراء الصهيوني، وفي المقابل تواصل واشنطن تكثيف ضغوطها على سلطة الحكم الإداري الذاتي من أجل الاستجابة للمطالب الأمنية الصهيونية، وأشارت المصادر الصهيونية إلى أن بوش وجه مؤخراً إلى عرفات رسالة شديدة اللهجة يطالبه فيها بالقضاء على حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وعدم الاكتفاء بامتناعهما عن تنفيذ العمليات، وقد انضم الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة بهذا الخصوص  حيث قرر وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي خلال اجتماعه في بروكسل يوم 10/12/2001 اعتبار حركتي حماس والجهاد الإسلامي شبكتين إرهابيتين ومطالبة سلطة عرفات بالعمل على تفكيكها.

مناورة الضوء الأخضر الشاروني

وبالنسبة للاتصالات التي يجريها وزير الخارجية الصهيوني شمعون بيريز مع أحمد قريع والتي أشارت المصادر الصهيونية أنها تتم بضوء أخضر من رئيس الوزراء الصهيوني شارون فقد طالب الوزراء الذين ينتمون للأحزاب اليمينية والدينية بوقفها لأنها تتعارض مع القرار الذي يتخذه المجلس الوزاري الصهيوني للشؤون الأمنية والسياسية حول وقف كافة الاتصالات مع سلطة الحكم الإداري الذاتي خلال الاجتماع الذي عقده المجلس المذكور يوم 11/12/2001 لكن شارون الذي يعنيه كثيراً استمرار حكومته في السلطة حتى موعد الانتخابات القادمة في الكيان الصهيوني يحاول أن يمسك العصا من وسطها بين مواقف فريقه من الأحزاب الدينية واليمينية وبين مواقف وزراء حزب العمل الصهيوني الذين يتبنون فكرة المزاوجة بين استمرار العمليات العسكرية وبين العمل السياسي في معالجة الأزمة مع مناطق الحكم الإداري الذاتي، ويربطون استمرارهم في حكومة شارون بالعمل على عدم إغاء صفقة أوسلو التي يعتبرونها إنجازاً لحزبهم والتي تطال أحزاب اليمين بإلغائها، ولذلك ترك شارون لوزير خارجيته هامشاً محدوداً للمشاورات والاتصالات السياسية مع عدم الالتزام بما يتم في هذه الاتصالات من تفاهمات أو اتفاقات، وعلى هذا الأساس سارع شارون بعد أن تحدثت وسائل الإعلام عن تفاهم بين بيريز وقريع حول حل نهائي تدريجي تقام بموجبه دولة فلسطينية ضمن مناطق الحكم الإداري الذاتي سارع شارون إلى الإعلان بأن هذه الخطة خيالية وأن طرحها مسألة خطيرة ومضرة بالكيان الصهيوني كما أعلن أنه لا يجوز أن يبحث موضوع الدولة الفلسطينية قبل أن يتخذ قرار حول الموضوع من قبل الحكومة وأشار إلى أنه سوف يتولى بنفسه إدارة المفاوضات مع الفلسطينيين.

أما شمعون بيريز الذي لم ينف ولم يؤكد ما نشر حول مذكرة التفاهم مع قريع فقد أعلن أنه يتمنى أن يقبل الطرفان بالأسس التي نشرت في وسائل الإعلام حول الموضوع، بينما أكد وزير الحرب الصهيوني وزعيم حزب العمل الجديد بنيامين بن أليعازر أنه تلقى من شمعون بيريز صورة عن مذكرة التفاهم وأنه يدعمها ويؤيدها.

أزمة مذكرة قريع-بيريز

ووفقاً لما جاء في صحيفة يديعوت أحرونوت بتاريخ 23/12/2001 تم التوصل خلال الاتصالات السرية بين بيريز وأحمد قريع إلى مذكرة تفاهم حول حل انتقالي تدريجي، من أربعة مراحل يتم بموجبه الإعلان عن إقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة والمناطق الموصوفة بمناطق <<أ-ب>> في الضفة الغربية والتي تشكل نحو 40% من مساحة الضفة، وذلك بعد ثمانية أسابيع من توقيع الاتفاق بين الطرفين بهذا الخصوص وفي المرحلة الأولى التي تسبق الإعلان عن إقامة الدولة يتم تنفيذ توصيات لجنة ميتشل وتقوم السلطة بمكافحة الإرهاب واعتقال المطلوبين ونزع أسلحة منظمات المقاومة، مقابل إنهاء الحصار المفروض على الضفة والقطاع وانسحاب تدريجي لقوات الاحتلال من المواقع التي احتلتها بعد اندلاع الانتفاضة، وفي المرحلة الثانية يعترف <<الفلسطينيون>> بالكيان الصهيوني على أساس قراري مجلس الأمن 242-338 ويتم الإعلان عن الدولة الفلسطينية، وفي المرحلة الثالثة تجري مفاوضات بين الطرفين حول المسائل المؤجلة وهي القدس واللاجئين والمستوطنات والحدود والمياه والأمن خلال فترة 9-12 شهراً ويتم تنفيذ الاتفاق الذي يجري التوصل إليه حول هذه المسائل خلال فترة 18-24 شهراً، وفي المرحلة الرابعة يجري البحث والتفاوض حول إقامة العلاقات المستقبلية والاقتصادية بين الطرفين.

هذا وكانت صحيفة معاريف قد ذكرت بتاريخ 21/12/2001 أن أحمد قريع وافق على خطة بيريز بشأن الحل الانتقالي التدريجي وأنه سيحاول إقناع عرفات، وفي حين نفى قريع فيما بعد أنه تم التوصل إلى أي تفاهم مع شمعون بيريز أكد عضو السلطة العرفاتية نبيل شعث في مقابلة إذاعية يوم 28/12/2001 أنه تم خلال محادثات بيريز-قريع التوصل إلى عدة نقاط إيجابية لكن شارون رفض ما تم التوصل إليه بين الطرفين.

أعمق من حرب الاستشهاد… انها حرب الالفيتين

د. عادل سمارة

تدار هذه الايام هجمة شرسة ضد منفذي العمليات الاستشهادية، وكأنها حرب مفاجئة تُدار ضد طرف مسالم لم يقترف أي إثم. ويتنوع ويتعدد من ينحون باللائمة على القوى  التي تنفذ هذه العمليات، بدءا من الرئيس الامريكي وصولا الى مثقفين فلسطينيين من اعضاء الوفد المفاوض. والهجمة نفسها كانت مكرسة ضد أطراف مقاومة أخرى عندما كانت فعالة.وكل هذا يؤكد ان الهدف تصفية كافة انواع المقاومة، بل وتقديم الشكر للاحتلال بما هو احتلال "غربي، ابيض وعنصري وراسمالي"

والحقيقة ان هذه الهجمة تدير ظهرها لكل من الوقائع والتاريخ. وهذا اخطر ما فيها. فهي وإن بدت كما لو كانت عقلانية وواقعية، فإن عقلانيتها عقلانية لحظية، اذا استقامت مع اليومي فإنها تعارض التاريخي والواقعي معاً.

                فالصراع العربي الصهيوني، اتخذ هذا الاسم لكنه لم يبدأ زمنياً مع احتلال فلسطين. وليس احتلال فلسطين سوى محطة من محطاته. ومن بين هذه المحطات الحرب العالمية الاولى التي من رحمها ولدت هجمة سايكس-بيكو لتجزئة الوطن العربي. فهذه التجزئة هي حرب حقيقية. وحملة نابليون محطة اخرى، والحروب الصليبية محطة اخرى ايضا.  هذا اذا لم نرجع الى الوراء كثيرا لنكشف ان خرافة التوراة وشعب الله المختار وارض الميعاد وتعاليم التلمود…الخ هي محطات عدوانية ايضاً.

دعنا نقول بإيجاز، ان العدوان على الشعب العربي الفلسطيني والامة بأجمعها، ليس بكل هذه الجدّة وليس مسألة صدفية. انه عدوان مسلح بمكونات خطيرة ثلاث، كل واحدة منها  في منتهى الخطورة حتى بمفردها:

الاولى:الاسطورة التوراتية وتعاليم التلمود التي تنضح بالعرقية  واحتقار اليهود للاغيار، واباحة قتلهم ووضعهم في مستوى الحيوانات…الخ. ان أي انسان ينظر الى الغير بهذا المنظور لا يمكن ان يفهم السلام والتعايش. هو عقل مغلق تجاه المسألة الانسانية. وبالتالي، لا حياة لأي اتفاق معه حتى لو كان لصالحه. فالعقل العنصري من هذا الطراز لا يرى في الكون متسعا لأحد الى جانبه.

والثانية: الايديولوجيا الصهيونية التي تقوم على خلق كيان عميل للغرب الراسمالي في الوطن العربي. كيان يقاتل المنطقة باسم الغرب وبدعمه. ايديولوجيا مضمخة بعقدة "متسادا" و "المحرقة". ايديولويجيا تهدف الى ممارسة كل من متسادا والمحرقة ضد الشعب الفلسطيني والامة العربية لأنها تدرك جيداً انها قامت بجريمة هائلة ضده. ولأنها عنصرية سواء بوجهها  التوراتي، او بوجهها العنصري الصهيوني، فهي ترفض التعايش مع هذا الشعب في وطنه الذي سلبته منه. ولذا، ترى في العلاقة حرباً مطلقة. انها اسطورة داود وجالوت ولكن ربما تبادلياً هذه المرة.

في حديثه الى صحيفة لوموند الفرنسية ليوم 14-12-2001 قال ما يسمى بوزير الامن الداخلي الاسرائيلي عوزي لنداو:

 "ان القتال بين اسرائيل والفلسطينيين هو قتال حتى الموت…سيكون هنا قتال حتى الموت بيننا وبين الفلسطينيين طالما ظل هناك أمل لدى الفلسطينيين فلن يتوقف الارهاب… اما في اليوم الذي يتخلون فيه عن كل آمالهم في طردنا من هنا، فسوف يوافقون على التوقيع على اتفاق سلام طويل الامد لانهم لن يكون امامهم خيار آخر"

والثالثة هي رأس المال: ان الراسمالية العالمية ولا سيما في المركز الامريكي مثابة "داعية" حرب مطلقة

في الزمان والمكان. ان جشع راس المال لا يمكن ان يثنيه عن ارتكاب اية جريمة مهما كان مداها وشدتها. وعليه، تشكل المؤسسة  الراسمالية الامريكية الحاكمة قوة دفع ودعم وتسليح وتشجيع الكيان الصهيوني  مستفيدة من الاسطورة التوراتية والعصرية الصهيونية بحيث تستمر في صراع مطلق مع العرب وفي المقدمة منهم الشعب الفلسطيني ليبقى الوطن العربي مستعمرة مباحة لراس المال الغربي وخاصة الامريكي. ومن هنا بالتحديد يسيطر الهدف الراسمالي على البعدين الديني والعنصري الصهيوني ليجعلهما إيديولوجيات في خدمته.

               

وإذا كان  لنداو قد أكد على ان الفلسطينيين لن يوقعوا اتفاق سلام معهم إلا اذا فقدوا الامل، فإننا نؤكد بالمقابل ان هذا حال اليهود ايضاً. لن يغير العنصريون من مواقفهم إلا اذا أُخضعوا بالقوة، قد تكون قوة السلاح او قوة الاقتصاد او كليهما. اما الفارق بيننا وبينهم، فهو اننا اصحاب حق وهم معتدون وغاصبون.

تفيد تجارب النضال، بأن ما من قوة بوسعها تفكيك نضال شعب في سبيل حقوقه. هناك قوى كثيرة داخلية وخارجية بوسعها قهره، ولكن لا يمكنها استئصال شأفة نضاله. ولن يتوقف نضال شعب إلا اذا استرد حقوقه. وحين يتعلق الامر بالحال الفلسطيني، فإن النضال الوطني الفلسطيني لن يتوقف قط طالما الاحتلال والاغتصاب على حاليهما. قد توقع قيادة ما إتفاقاً،  ولكن سيقاومه كل من لا يأخذ حقه. ولعل عبرة أوسلو واضحة الآن. وقد تخبو المقاومة يوما لتشتد في آخر.

وعليه، فإن الساسة والمثقفين الفلسطينيين والعرب الذين يقفون باسم "العقلانية والبراجماتية" ضد العمليات الاستشهادية، إنما يؤكدون للراي العالم العالمي بأن الحق في جانب الاحتلال وراس المال الغربي وليس في جانب شعبنا المشرد والمضطهد. ومن هنا خطورتهم!!!

 

الأخ أبو خالد في برنامج "من وراء الستار" لتلفزيون المستقبل:

·       الأعداء يريدون تصفية قضية فلسطين،وقرارات وقف الانتفاضة والمقاومة هي في هذا الاتجاه.

·       أمريكا تريد أن تتحكم في العالم في القرن الجديد،وأن تنهي الصراع العرؤبي- الصهيوني لمصلحة الكيان الصهيوني.

·       انتفاضة شعبنا أمواج متلاطمة متلاحقة لن تنتهي إلا بكنس الاحتلال.

برنامج من وراء الستار

س: المستقبل لنبدأ بآخر ما وصل من أنباء فلسطين المحتلة، حيث أفادت مصادر فلسطينية أن سبعة فلسطينيين بينهم شرطيان أصيبوا بالرصاص خلال المواجهات بين الشرطة الفلسطينية وعناصر من حركة حماس، أثناء محاولة اعتقال عبد العزيز الرنتيسي، أحد قادة الحركة في غزة،والدكتور عبد العزيز الرنتيسي كما تعرفه أخ أبو خالد، كان يعول على عدم الخلاف في الشارع الفلسطيني، هل بدأ هذا الخلاف اليوم ؟.

الأخ أبو خالد: دعني بداية أوجه تحية إلى شعبنا العظيم، الذي يواجه العدوان الصهيوني المستمر بكل بسالة، وبإرادة مصممة على مواصلة الكفاح، وأريد أن أقول بهذه المناسبة ان الإنسان يحزن  مما جرى خلال الفترة الأخيرة وخاصة بعد أن أدرك معظم أهلنا في الوطن وفي الشتات أن انتفاضة الأقصى كانت  نقطة فارقة في مسيرة النضال الفلسطيني بعد تجربة أوسلو،وما لحقته من تبعات على الشعب الفلسطيني، وبعد أن اعتقدنا جميعاً أن الدروس المستخلصة تم استيعابها جميعاً، بعد أن تأكد للجميع، أن الكيان الصهيوني ومعه الولايات المتحدة لا يريدون سلاماً،ولا حقوقاً للشعب الفلسطيني،وبالتالي فشعبنا هبّ بهذه الانتفاضة العظيمة وقدم كواكب الشهداء، أكثر من 1000 شهيد حتى الآن، وأكثر من ثلاثين ألف جريح، إضافةً إلى التدمير والحصار والتجويع والأسر والاعتقال.

إن  شعبنا الفلسطيني توّحد ميدانياً في مواجهة العدو الصهيوني، وكانت انتفاضته رداً على ما جرى، في قمة كامب ديفيد الثانية لم تعط للفلسطينيين حتى السيادة على المسجد الأقصى، فما بالكم بباقي الحقوق، أو كامل الحقوق فيما يسمى بالحل النهائي والتي تتضمن القدس، واللاجئين،والحدود،والسيادة الخ!!، واتضح لدى شعبنا بعد كل التجارب التي مر عليها سبع سنوات أو ثمانية سنوات، أن لا حقوق تعاد،ولا مقدسات تصان إلا بالمقاومة، أي أن شعبنا أخذ على عاتقه الدفاع عن هذه الحقوق،وهذه المقدسات فكان الإجماع الشعبي على أن مساحة فلسطين تمتد من النهر إلى البحر، نعم حصل الإجماع الفلسطيني الشعبي والعربي من أهلنا في الـ 48 وفي الضفة والقطاع، إلى الشتات، إلى الحركة الشعبية العربية، وقد جاءت الانتفاضة لتقول: أن الكيان الصهيوني هذا الذي عول الكثيرون أن بالإمكان إقامة ( سلام) معه، لا يريد سلاماً،وقال قادة الكيان الصهيوني ذلك في أكثر من مناسبة وصولاً إلى ما وصلنا إليه، وللأسف فقد ظهرت مؤخراً مواقف تضرب هذه الوحدة الميدانية، هذه الوحدة الشعبية، التي نأمل أن ترتقي إلى وحدة سياسية، ولكن لم ترتق الوحدة الميدانية إلى وحدة سياسية.

وهذا يعني أننا كقوى فلسطينية لا نملك رؤيا موحدة، ولا برنامجاً موحداً سياسياً، ولا نملك استراتيجية موحدة سياسياً وكفاحية، أو اقتصادية،أي كيف ندير صراعاً،وكيف نحمّل أهلنا في الأمة العربية رسميين وشعبيين مسؤوليتهم أمام خطة فلسطينية واضحة المعالم؟. في ظل هذا أيضاً جاء الضغط الأمريكي على أثر الأحداث التي جرت في الولايات المتحدة ( 11 سبتمبر) لنستخلص منها و بعيداً عن التحليلات والتفسيرات التآمرية المجردة، أن أميركا وعلى لسان رئيسها ومسؤوليها، تريد أن تحكم هذا الكون، تريد أن تحكم الكرة الأرضية في القرن  الواحد والعشرين، لذلك أمريكا في هذه الحالة بعد عشر سنوات من انتهاء الحرب الباردة ومحاولتها إنهاء الصراع العربي _الصهيوني لمصلحة الكيان الصهيوني، لخلق استقرار في المنطقة يؤهلها أن تضع يدها على الثروة العربية،وبالتالي ان تمد من دورها القيادي في قيادة المنظومة الرأسمالية العالمية،نعم إن أمريكا تقوم بذلك لمصلحة الكيان الصهيوني إثر تأكيد حلقات الممانعة العربية،والتي تجسدت بالصمود السوري واللبناني،والمقاومة اللبنانية على إمكانية هزيمة العدو،حيث استطاعت المقاومة في لبنان هزيمة الوجود الصهيوني المحتل لأرض الجنوب، وقد أفرز هذا الصمود المتمسك بالحق حقيقة أن المقاومة هي خيار الشعوب للحصول على الحقوق، و عكس نفسه ايجاباً على شعبنا،الذي خلق هذه الممانعة التي تشكلت على ساحة الوطن العربي ضد الشرق الأوسط الجديد الذي أرادته أمريكا والكيان الصهيوني، على حساب الهوية الحضارية والقومية للأمة العربية، من أجل تصفية القضية الفلسطينية.

المستقبل: أخ أبو خالد أنت تعيد السبب الأساسي في هذا الوضع الفلسطيني الضاغط واليائس والبائس إلى أنه لولا أوسلو لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه؟.

الأخ أبو خالد: لا شك أن المقدمات الخاطئة تقود إلى نتائج خاطئة، وأوسلو بمضمونه الكلي هو اسقاط لحق شعبنا في 80% من فلسطين.

المستقبل: ولكن حصل أوسلو، وما حصل حصل، اليوم كما تفضلت بعد الحادي عشر من سبتمبر ( أيلول) العالم بأسره تغير،وربما العالم العربي تغير،وكنا نشاهد اليوم ما يجري في فلسطين، كيف يستفرد شارون بالفلسطينيين،وكيف يستفرد بالسلطة الفلسطينية، وحتى بالحركات التي إلى جانب السلطة،وما هو المطلوب اليوم من ياسر عرفات وفي ظل الضغط الذي يمارس عليه، هل تؤيدوه،وتضعون أيديكم في يديه لينهض على رجليه؟. أم ثمة توجهات أخرى في هذه المرحلة؟.

الأخ أبو خالد: لقد أشرت في بداية حديثي، إلى أننا استبشرنا خيراً باندلاع الانتفاضة والوحدة الشعبية في هذه المحطة ومحطات أخرى،وفي مواقف عديدة، وقلنا إن أبرز ما أفرزته هذه الانتفاضة هو الدور العظيم لأبناء فتح الذين يدركون عبر منطلقاتهم ومبادئهم وأهدافهم استحالة ( السلام) مع هذا الكيان الصهيوني لأنهم يدركون أن هذا الصراع هو صراع تناحري،وبالتالي أخذوا زمام المبادرة ولعبوا دوراً مركزياً في الانتفاضة الراهنة.

المستقبل: ولكن حركة فتح تدعو للالتزام بخطاب عرفات الأخير، أي وقف إطلاق النار؟.

الأخ أبو خالد: مع احترامي لكل مناضل يتمسك بالثوابت والمبادئ،فإن قواعد فتح شهداء الأقصى،وكتائب العودة،وعمر المختار، وكل أجنحة العاصفة  تواصل المقاومة فها هي تقاتل ولم تلق السلاح، ولن تلق السلاح، وأعود هنا إلى أوسلو، وهذه اللعبة وقواعدها ليست لعبة الشعب الفلسطيني بل تمت من وراء ظهر الشعب الفلسطيني وقواه، وبالتالي ليس مصادفة أن تقف معظم قوى الشعب الفلسطيني اليوم،من التيار الإسلامي حماس والجهاد والتيار الديمقراطي شعبية وديمقراطية،والقيادة العامة إلى الصاعقة إلى فصائل شعبنا ضد وقف الانتفاضة،وهنا التساؤل لماذا؟. لمصلحة من يقرر ياسر عرفات استجابة وقف إطلاق النار؟.

المستقبل: لكنه لم يعلن وقف الانتفاضة؟. كما قال بالأمس مسؤول (إسرائيلي)،وسرب إلى الصحف أنوقف الانتفاضة أمر مقدس عند الفلسطينيين،وعرفات لم يقبل بوقف الانتفاضة بل بوقف إطلاق النار؟.

ألا تعتقد أن للانتفاضة عدة وجوه، ليس بالضروري أن تطلق النار على مستوطنة .. الجيش ( الإسرائيلي) دمر حياً بأكمله؟.

الأخ أبو خالد: أولاً: علينا أن  نقرأ قراءة موحدة لاستهدافات الولايات المتحدة والكيان الصهيوني بعد أحداث 11 أيلول،والمتغيرات التي يجري الحديث عنها،و نحن نعتقد أن المتغير بما يتعلق بقضية فلسطين،وقضايا الأمة هو أن الكيان الصهيوني أصبح أكثر أهمية من الولايات المتحدة الأمريكية، فيما يسمى بحرب ( الإ{هاب) التي أعلنتها الولايات المتحدة، أي أنها تريد كياناً غير مأزوم، تريد كياناً قوياً متماسكاً، إن المقاومة والانتفاضة جعلت هذا الكيان في موقع المأزوم ويعيش مأزقاً حقيقياً تجلى في الهجرة المضادة،والوضع الاقتصادي والروح المعنوية لهذا الكيان، وفشل الحكومة الصهيونية بتأمين الأمن العام الاستراتيجي للكيان أو الأمن الفردي، وهذا تم بفعل المقاومة دفاعاً عن النفس دفاعاً عن الحقوق،ونحن محقون عندما نقول لمصلحة من وقف الانتفاضة- وهذه السلطة- سلطة الحكم الذاتي،غير مجمع عليها،ولا تمثل الشعب الفلسطيني.

المستقبل: لكن عرفات منتخب من الشعب الفلسطيني؟.

الأخ أبو خالد: عرفات منتخب تحت الحراب الصهيونية في الضفة والقطاع،وليس من الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع المحررة والشتات.

المستقبل: لو ترشح أحد غير عرفات هل يصبح رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية؟.

الأخ أبو خالد: يجب توصيف الأمور كما هي، لأنه ثمة لبس في ذهن المشاهد العربي، فقد جرت الانتخابات مشروطة بإلغاء الميثاق هذا من جهة ،ومن جهة أخرى فإن المجلس التشريعي في الضفة والقطاع فقط،والشعب الفلسطيني ليس الضفة والقطاع،بل  شعبنا يصل عدده مليون و200 ألف فلسطيني في فلسطين الـ 48 ما هو مستقبلهم؟. وخمسة ملايين فلسطيني في الشتات ما هو مستقبلهم كذلك؟. من قال أن أهلنا في الضفة والقطاع قد أجمعوا على أن السلطة تمثل بسلوكها وبموقفها وبما تنازلت به مجموعة من الناس،وليس سلطة الشعب الفلسطيني، ومع هذا عندما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه في ظل الانتفاضة مد الجميع أياديهم إلى التوحد في مواجهة البرنامج الصهيوني المدعوم أمريكياً على قاعدة تطوير الوحدة الميدانية إلى وحدة سياسية، لأنه دون رؤية ما يريده الكيان في المنطقة،وماذا تريد أمريكا من بلادنا،وما هي الأهداف التي على أجندتها في المرحلة اللاحقة باسم ( حرب الإرهاب)  لأنه من دون ذلك لا يمكن أن نتفق على الثوابت،لذلك لا أعتقد أن عاقلاً يقبل أن يجرد نفسه من أسلحته ومن مقاومته ويزج بالمناضلين في السجون،ويلغي مؤسسات تساعد الشعب الفلسطيني،وأتساءل لمصلحة من،ومقابل ماذا يتم ذلك؟!!.

أقول إن هذه لعبة مقامرة،والثورة ليست مقامرة،الثورة علم وفرضيات كيف نحشد طاقاتنا،كيف نحشد إمكاناتنا؟،كيف نوزع إمكاناتنا؟، وكيف نقاوم؟ فنحن  لسنا معتدين على أمريكا، ولا نمارس الإرهاب ضد أحد، نحن ندافع عن أنفسنا، وعن أقصانا، وعن كنيسة القيامة،وعن كل ذرة تراب مجبولة بدماء الشهداء.

المستقبل: أخ أبو خالد دعني اقول لك لو كنت اليوم مكان ياسر عرفات،وهذا الضغط يمارس عليك، فهل سنقول بالعودة إلى أوسلو أن الذي حصل حصل، فسنظل نتكلم طويلاً ولن يحصل شيء،ولكن ( الإسرائيليين) يقصفون ويهدمون ويفعلون ما يفعلون، الآن حصل ما حصل، وكما تفضلت حول الوحدة على الأ{ض، فكيف تتحول الوحدة إلى وحدة سياسية؟. وهنا السؤال: لو كنت مكان ياسر عرفات هل تكمل الانتفاضة، وهذا الضغط الأمريكي والدولي والأوروبي، وحتى العربي،ماذا ستفعل؟.

الأخ أبو خالد: هذه فرضية غير واقعية،ولو كنت مكان ياسر عرفات وأمام ما يجري من معطيات لتصفية قضية فلسطين وليس فقط لوقف الانتفاضة وتصفية الانتفاضة والمقاومة، لقلت للشعب الفلسطيني وللأمة العربية وللعالم أنني جربت كل شيء،ولم أجد أذناً صاغية لا من الولايات المتحدة ولا من أوروبا، ولا من الكيان الصهيوني، أنهم ليسوا مع السلام إنهم يريدون استسلامنا، إنهم يريدون حقوقنا، إنهم يريدون مقدساتنا، اللهم اشهد وخياري مع هذا الشعب، أن أقاوم ولا خيار آخر.

المستقبل: قال عرفات في فمي ماء، وأريد أن ( أبق البحصة) ولا أستطيع؟.

الأخ أبو خالد: إن أي توجه من التوجهات التي أخذها عرفات الآن، الخسائر بوقف الانتفاضة وضرب المقاومة، أخطر بكثير من أي خسائر يمكن أن تلحق بالشعب الفلسطيني عبر مقاومته لهذا العدو الصهيوني، الخسارة هي كيف يخلق الأعداء فتنة فلسطينية، وشعبنا بحكمته وحنكته وخبرته وقواه يتجاوز ويتجنب هذا الأمر، لكن في النهاية فلسطين أكبر من كل الفصائل، وأكبر من كل السلطات، وأكبر من كل الهيئات والأشخاص،فالقضية ليست قضية أشخاص، فهل تحل مشكلة فرد على حساب قضية. إن الشعب الفلسطيني لا علاقة له بهذا المقامرة، فإذا أراد عرفات حواراً وطنياً لينطلق من الثوابت الوطنية وينطلق من الميثاق الوطني الفلسطينيالذي ألغاه، والسؤال برسم كل مواطن عربي من يجرؤ على أن يفرط بـ 80% من حق الشعب الفلسطيني،وشطب حق العودة، وقد تحدث سري نسيبة مؤخراً عن أنه لا داع لحق العودة فقد انتهى.

المستقبل: الأخ أبو خالد قلت أن الشعب الفلسطيني ليس موجوداً في الضفة وغزة فقط، بل هناك ملايين من الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، في لبنان والعالم، ولو سئل هذا الشعب ربما  لم يختر ياسر عرفات مسؤولاً عنه، رغم أنه لا مجال للمقارنة بين موقفكم البطولي والنضالي الفلسطيني وبين مواقف قوات الاحتلال التي ترى في عرفات أنه لا يمثل الشعب الفلسطيني،وأطلقت تعابير من شارون وغيره أن عرفات خارج اللعبة، وليأتي شخص أكثر براغماتية من عرفات ليقود الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة، كيف تعلق على ذلك؟.

الأخ أبو خالد: مع الفارق الكبير فنحن نرى أن عرفات لا يمثل شعبنا الفلسطيني من خلال القناعة المتجسدة في الساحة الفلسطينية، أن الثورة الفلسطينية المعاصرة بفصائلها تمثل الشرعية الثورية،والشرعية الثورية تنطلق من ثوابت ومبادىء الميثاق الوطني الفلسطيني،ومن يخرج على هذه الثوابت والمبادئ تسقط شرعيته، عندما يلغي الميثاق الذي هو الناظم للعمل الوطني الفلسطيني، تسقط الشرعية.

المستقبل: نذكر بأن عرفات ألغى الميثاق بعد ضغط كلينتون؟.

الأخ أبو خالد: نعم.. بحضور كلينتون ألغى عرفات الميثاق.. وبضغط منه، الميثاق الوطني لا يمثله عرفات ولاأي فصيل ولا منظمة التحرير.

المستقبل: نذّكر بما يقول الميثاق وبماذا يطالب.

الأخ أبو خالد:  الميثاق يقول أن فلسطين هي أرضنا،وهي عربية ولا بد من تحريرها وهذا هو العقد بين شعبنا ومنظمة التحرير الفلسطينية.

المستقبل: أخ أبو خالد اعترفت أكثرية الفصائل، إن لم نقل بعضها بفلسطين اليوم في حدود الـ 1967،وليس 1948كيف ترى هذا الأمر؟.

الأخ أبو خالد: فلسطين هي بكل حدودها، بكل ذرة من تراب منها، أما ما هي إمكاناتنا نحن لم ندّع في الثورة الفلسطينية،ولا في ميثاقنا الوطني الفلسطيني، أن الشعب الفلسطيني وحده قادر على تحرير فلسطين، فهذه الغزوة الصهيونية تستهدف الأمة العربية،وتتعداها في علاقاتها مع المراكز الامبريالية، بل الأمة الإسلامية، وحددت فتح بأن تحرير فلسطين واجب وطني وقومي وديني وإنساني، بالتالي ليس لدينا وهماً بأن الشعب الفلسطيني وحده يحرر فلسطين،والقضية لا تتحدد بزمن، أننا قادرون اليوم أو نفرط بهذاالوطن، غير مسموح لأحد بأن يفرط بهذا الوطن، ومن هنا نقول بأن ياسر عرفات هو رئيس سلطة الحكم الذاتي وباتفاق نرفضه ويرفضه معظم شعبنا وقواه، حتى أنه جاء على ألسنة العديد من قيادات السلطة قالوا أن أوسلو دفن،وقال الكيان الصهيوني: أن أوسلو دفن.

ولكن إذا كان أوسلو دفن، فتعالوا إلى كلمة سواء، تعالوا إلى الثابت الوطني والاستراتيجي إلى الميثاق الوطني لنصوغ  برامجنا وخططننا السياسية التي تمكننا من مواصلة النضال دون تفريط بحقوقه ، أما الكيان الصهيوني فهو لا مع ياسر عرفات ولا مع بدائل لياسر عرفات .

المستقبل : يريدون براغماتية ليوقعوا .

الأخ أبو خالد : يريدون خلق فوضى في الساحة الفلسطينية ، ويريدون تصفية الشعب الفلسطيني وقضيته وتهجيره ،يريدون كياناً فلسطينياً براغماتياً ولا ثورياً، ولا إسلامياً، بل يريدون  التخلص من الشعب الذي يحمل راية المقاومة ، ويهدد وجودهم لأن هذا الشعب أختبر كل الأساليب والوسائل أمم متحدةوقرارات شرعية دولية والعرب يتحدثون عن قرارات شرعية دولية حتى ياسر عرفات يتحدث عن شرعية دولية ،ولكن أين هي الشرعية الدولية ؟، الشرعية الدولية أصبحت بعد الحرب الباردة والامم المتحدة للأسف قسم من المجلس الأمن القومي الأميركي كما يريدون ، فعندما تخدم القرارات الدولية مصالح أمريكيا يدمرون العراق أو أي بلد ، وعندما تكون القرارات الدولية في مصلحة شعبنا وأمتنا يدمروا هذه القرارات لمصلحة الكيان الصهيوني ، أذاً نحن أمام مفارقات ، العدو الصهيوني فلعبة البدائل هذه لا تخيف أحداً ، أقوى سلاح لياسر عرفات أن يأخذ خيار الشعب الفلسطيني ، فالشعب هو الذي يحميه، وهو الذي يحمي مستقبل نضالنا ،ووفاءً لشهدائنا أن يختار هذا الخيار.

المستقبل : الأخ أبو خالد بما أنك مسؤول في حركة (فتح) فالقرارات تصدر منك بالإضافة إلى المسؤولين الآخرين ، هناك دعوة اليوم من الجبهة الديمقراطية والشعبية دعوة مستجدة ، هذه الدعوات سابقة ، واليوم استجدت للحوار مع السلطة الفلسطينية ومع عرفات نفسه، هل تجلسون مع عرفات في حال أقر هذا الحوار الوطني مع بقية الفصائل ؟.

الأخ أبو خالد : الحوار له أشكاله ، نحن كحركة طرحنا مبادرة في شهر نيسان الماضي ، مبادرة تتكون من ثلاث نقاط كيف تستمر الانتفاضة ،بأية برامج ، وبأية رؤى، حوار مفتوح للجميع على قاعدة استمرار الانتفاضة " قيادة وطنية مؤهلة للانتفاضة ومرجعية لكل الشعب الفلسطيني ، حق العودة ، العودة الى الثابت الذي ألغي وهو الميثاق الوطني الفلسطيني كناظم للنشاط الوطني الفلسطيني، طرحناها منذ نيسان ، وكثيراً من القوى والفعاليات والشخصيات الوطنية الفلسطينية مع هذا الطرح.وليس بيننا وبين أي فصيل قضية شخصية .

المستقبل: لكن إذا قالوا لكم لنجلس ونتحاور بلا شروط؟ .

ألأخ أبو خالد : لا.. هذا الحوار رأيناه وقد التحق إثره من ألتحق لعرفات،ولم تحدث مثل هذه الحوارات أي شيء للقضية، يتحدثون عن قيادة ميدانية ، هل أخذ ياسر عرفات رأي أي فصيل فلسطيني من هذه الفصائل، بل على العكس من المكونيين لهذه القيادة الميدانية عندما اتخذ قراراته؟ إنه يزج بالسجن الآن المناضلين والمقاومين،إنه يريد تفويضاً، وايصالنا الى ما وصلنا إليه، وبالتالي علينا أمام ما تواجهه الانتفاضة أن نحشد طاقاتنا على ثوابت ورؤية واضحة محددين خيارنا المقاومة والنضال، لأن العدو أصلاً لا يؤمن بالسلام، وجوده على أرضنا ،يمثل عدوان مفتوح على أمتنا وعلى شعبنا .

المستقبل : اليوم ولأول مرة أخ أبو خالد ، قبل الأحداث الأخيرة التي قامت بها الجماعات الإسلامية ، كان هناك كلام عن دولة فلسطينية، وقيل كذلك أن الرئيس بوش ، كان سيلقيها لولا أحداث 11- أيلول في الجمعية العامة للأمم المتحدة ، هل تعتقد أن الموقف الأميركي تغير نحو دولة فلسطينية وخصوصاً سيد أبو خالد ، هناك حديث ( إسرائيلي ) عن دولة فلسطينية طبعاً كما ينظرون هم الى الدولة الفلسطينية ، لكن لفظة الدولة الفلسطينية ، أصبحت في القاموس (الإسرائيلي) - الأميركي هل تعتقد في ذلك تطوراً إيجابياً ؟ .

الأخ أبو خالد :  بالقطع لا .. إن هذا تضليل لشعبنا وأمتنا في إطار البرامج الأميركية وما تريده للمنطقة ، يحاول دغدغة بعض القوى وإخراج البعض من حرجهم، وتصفية الانتفاضة والمقاومة هذا هو الهدف ، ما قيل في كامب ديفيد كان أوضح مثال لما جرى إبان حكم الرئيس كلينتون، وحتى شارون  يريد إقامة دولة فلسطينية على 47% من أراضي الضفة والقطاع، نحن نرى استراتيجياً أن هذا الكيان لن يعطي الفلسطينيين كيلو متر مربع واحد ذو سيادة وطنية حقيقية في الضفة والقطاع، لأن الكيان الصهيوني يعتقد أنه مهدد من خلال أي كيان له سيادة، بصراحة أقول حتى هذا الذي يسميه ياسر عرفات بخطابه الأخير الذي ألقاه مؤخراً "إرهاباً"،والذي يتهم فيه ويهدد ويشير إلى الفصائل ( بالإرهاب)،لم يفعل أي نظام عربي مثله،وبالعكس فإن المؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية تحدث  وفرق بين المقاومة و ( الإرهاب)، أي أننا  نخجل أن نسمع هذا من مسؤول فلسطيني،إن  أمريكا والكيان الصهيوني إذا أرادوا أن يعطوا  فهم يعطوا كيانية تابعة ملحقة تقوم بدور خدمي أمني للعدو، لن تتجاوز حدودها ما بين الـ 10 إلى 12% من مساحة فلسطين،و ليس من أجل هذا قدم شعبنا مئات وآلاف الشهداء،ولا أمتنا العربية تؤيده، فلسطين تحريرها مهمة الأمة،وليس الشعب الفلسطيني،الشعب مرابط، صامد على أرضه، يشكل خندق متقدم للأمة عبر قرن، لا يجوز أن نضرب نضاله وجهاده،ونفكك فصائله لنضرب روح المواجهة للأمة، لأن الأمة مستهدفة بحلقات لاحقة.

المستقبل: اليوم في اجتماع وزراء خارجية الدول العربية في القاهرة وزير خارجية سوريا ولبنان كانا يريدان مقاطعة هذا الاجتماع تخوفاً لما يصدر عنه من دعم لخطاب عرفات الذي أشرت إليه،ولكن بالأمس نفى أمين عام جامعة الدول العربية،وبالفعل ذهب الوزيران، ماذا سيصدر عن هذا الاجتماع،وهل سيكون تفهم لوقف عرفات من قبل كل وزراء الخارجية ؟.

الأخ أبو خالد: إذا كان هناك خوف من بعض الأنظمة، هناك تأكيد أن أحد أعضاء الوفد القادم من عند السلطة طالب مؤتمر الدوحة ووزراء خارجية الدول الإسلامية بتبني التهدئة،وبالتالي خطة أو توصيات ميتشل، إذاً يطلب من الدول الإسلامية والعربية أن يغطوا خطاب عرفات الذي يتهم المقاومة بالإرهاب،أنا أعتقد أن سوريا ولبنان الثابتتين على موقفهما ثابتتين على الحق، لأن الجولان لا يزال محتلاً،ولن يقبلوا سابقة من هذا النوع، ولا لبنان المهدد بين الحين والآخر  الذي له أرضاً لا يزال جزءاً منها محتل يقبل بذلك، إنه أمر مخجل أن يتم الرضوخ لهذه الغطرسة الصهيونية المغطاة أمريكياً، والذي ليس مع أمريكا فهو (إرهابي)،إنه أمر مخجل أن يقبل البعض أن يتحول الشعب الفلسطيني إلى (إرهابي)، وأن تصبح كل الجمعيات الخيرية في العالم وليس في الوطن العربي ممنوعة،والمدارس التي تعلم الدين ممنوعة،ويجب تغيير مناهجها،أي يجب أن نخرج من جلدنا، هم يريدون من شعبنا وأمتنا إعلان البراءة من الذين يقولون لا لأمريكا،ولا للكيان الصهيوني الإرهابي،وبهذه المناسبة نتمنى على وزراء الخارجية العرب،وخاصة الدول التي لها علاقة مع الكيان الصهيوني أن يقطعوا هذه العلاقة معه، وأن لا يغطوا مواقف تفكيك فصائل مقاومة ومجاهدة وإغلاق مكاتبها، إننا نريد من هذا الاجتماع مواقف واضحة في مواجهة الموقف الصهيوني - الأمريكي الذي يغطي العدوان المفتوح على  حركة حماس أو الجهاد، أو فتح، أو على أي فصيل يقوم بعمل استشهادي أو لم يقم، بصراحة إن لدى الأعداء برنامج يستهدف تصفية قضية فلسطين، يبدأ بوقف الانتفاضة،ويوف المقاومة، فيجب علينا أن ندافع عن حقوقنا ومقاومتنا، فهذا حق مشروع لنا، حق مشروع لنا أن نقاوم الاحتلال كفلته الشرائع الإنسانية،وهنا دعونا نتساءل أين هو الموقف العربي الذي يقول لأمريكا والأمم المتحدة على الكيان الصهيوني الخروج من الأراضي المحتلة عام 1967؟!. وأين الدول العربية التي تقول تعالوا وطبقوا قرارت الشرعية الدولية، لنا خمسين سنة نسمع الأمر حول هذا، نعم أقول هذا رغم أننا ضد قرارات الشرعية الدولية التي اختزلت الكثير من حقوقنا، لمن نتساءل أين حق العودة للاجئين الفلسطينيين الذين يعدون خمسة ملايين فلسطيني في الشتات، أين هو هذا الحق؟!.

  المستقبل:سرّي نسيبه الذي كان شيئاً ما معتدل كما وصفه (الاسرائيليين) في هذا الأمر، مُنع من حق إقامة حفل استقبال في العيد في القدس الشرقية؟.

الاخ أبو خالد : سرّي نسيبه يمنع لأن العدو لا يريد أن يُظهر أي مظهر من مظاهر السيادة الفلسطينية في القدس، ولا حتى حفل بروتوكولي، والذين يفرطون يصبحون ضعفاء، أما الذين يقاومون ويتمسكون بحقوقهم فهم أقوياء وهم الذين يرهبون هذا العدو.

المستقبل : حول الاجتماعات الأمنية التي تحصل في هذه الأثناء وتبدو كما قيل في الأخبار اليوم، الحكومة (الاسرائيلية) نتيجة هذا الاجتماع انسحبت من منطقتين، وهذا قيل نتيجة هذا الاجتماع (من منطقة الطيرة وبيتونيا، وهناك حديث أنها مستعدة أن تنسحب من نابلس وجنين لإتاحة الفرصة للسلطة للقبض على الاسلاميين، واليوم كذلك كما قلنا قُمع الإسلاميين واعتقالهم ومحاولة اعتقال عبد العزيز الرنتيسي.

الاخ أبو خالد: الاجتماعات الأمنية تأتي في ظل الشروط الصهيوني والشروط الأمريكية والشروط الأوروبية، واعترت السلطة أن المقاومين والأجنحة المقاومة خارجة عن القانون، إذاً المطلوب تفكيك هذه الأجنحة المقاومة واعتقال المقاومين، لذلك هذه اللقاءات الأمنية التي يتحدث حولها جبريل الرجوب والذي موقعه ومركزه القيادي في بيتونيا التي انسحبوا منها، هذا المركز الآمن الذي لم يطلق عليه أي طلقة يتحدث لوسائل الإعلام قبل يومين أنه على استعداد لخوض قتال على الأرض لتطبيق قرارات ما جاء في خطاب عرفات.
         المستقبل: لو قال له قاتل فيقاتل.

الأخ أبو خالد: أنا في تقديري هناك خصوصية في هذا الجانب وأنا لا أعتقد أن جبريل الرجوب ملتزم تماماً بما يريده ياسر عرفات تحديداً، وهو أيضاً حال بعض العناصر من الأجهزة، وهنا أريد أن أقول إن الموفد الأمريكي زيني قد حمل مطلب إلى السلطة مفاده تغيير الحاج اسماعيل الذي هو قائد الأمن العام في الضفة الغربية ووضع جبريل الرجوب في مكانه، وقد قالت وكالات الأنباء والإعلام بأنه المطلوب أن يكون الرجوب في هذا المكان وهنا أريد أن أقول أنه لا الاجتماعات الأمنية ولا تفكيك الفصائل تؤدي إلى وقف المقاومة والانتفاضة، وإذا كان القانون القديم كان يشبه الثورة بالبركان عندما ينفجر  يهب بشكل عاصف ويهدأ، فإن تجربة شعبنا وانتفاضة هي كأمواج البحر متلاحقة لن تتوقف إلا بكنس هذا الوجود الصهيوني من على أرضنا.؟

المستقبل: هل ترضى أخ أبو خالد أن تكون الانتفاضة ليست فقط بالسلاح كما هي الآن،ورد الصهاينة بالقتل والتدمير كما يفعلون؟.

الأخ أبو خالد: هناك قاعدة عامة وقول مأثور لقائد خالد نحترمه: "ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة"، االكيان الصهيوني غاصب لفلسطين، غاصب لوطننا، يحتل وطننا من أقصاه حتى أقصاه، إنه مستعمر لهذا الوطن آن الأوان أن يرحل هذا الاستعمار،وهو آخر استعمار في العالم.

أما الآتون من الخارج ضمن المشروع الصهيوني فليعودوا من حيث أتوا وذلك من أجلهم ليعيشوا بين شعوبهم،,ليس على أرض غيرهم في فلسطين.

ذكرى الانطلاقة.. وقانون البداهة في المقاومة

نافذ أبو حسنة

في الشهر الثاني من انتفاضة الأقصى،تناقلت بعض وسائل الإعلام قصة الشهيدين التوأمين " بلال وهلال" اللذان ارتقيا بفارق دقائق أثناء المواجهات العنيفة على مدخل مدينة رام الله.

كان الشقيقان يملكان مطعماً متواضعاً صغيراً يعملان فيه سوياً،ومع انطلاقة الانتفاضة اتفقا على تقسيم العمل بينهما، على أن يدير أحدهما المطعم،ويشارك الآخر في المواجهات بالتناوب.

يوم استشهادهما كان بلال يشارك الشبان في التصدي لجنود الاحتلال، عندما التفت فجأة ليجد شقيقه هلال إلى جانبه، سأله عما دعاه إلى الحضور؟. فقال له: لا أعرف.. ولكني شعرت أنك تناديني.. بعد دقائق قليلة من لقائهما استشهد هلال، وتلاه بعد دقائق أخرى بلال.

تروى هذه الحكاية ضمن مستويات متعددة،دروساً ،تبعاً للدلالة المرجوة من وراء سردها، أو العبرة المقصودة من استخلاصها،ولكنها في كل الأحوال تظل تعكس ذلك المزج ما بين الأسطوري والواقعي في نضال الشعب الفلسطيني،ولأن مثل هذه الحكايات تتكرر كثيراً كان هناك من يردد إننا لا نحتاج إلى أسطورة النضال الوطني الفلسطيني، ذلك أن تقديمه كما هو في الواقع يرقى إلى مرتبة الأسطورة،وإذاً فليكن القول فيه مجرد رواية وقائعه كما حدثت.

بعيداً عن كل ذلك، ألا تعكس الحكاية أمراً أساسياً وهو: الإصرار على المقاومة بما هي واجب، وبما هي حق في الوقت عينه؟.

مع دخول العام الجديد عام 2002 يكون قد مضى اثنان وثمانون عاماً على انفجار أول ثورة فلسطينية في مواجهة الغزو الاستعماري الصهيوني لفلسطين، وعلى مدى هذه الأعوام جميعاً كانت الثورة ناظم وجود الشعب العربي الفلسطيني، بمعنى أنها لم تتوقف، وكانت في حال تجدد دائم، وتطور دائم أيضاً، يتلاءم والإجابة على التحدي الذي تطرحه الغزوة الصهيونية.

إن استعادة وقائع ثورة 1920، من المصادر المكتوبة بطريقة أو بأخرى، أمام نسق دراسي يتناول الحديث في ظرفيته وأسبابه البعيدة والقريبة، وأيضاً العامل المباشر في اندلاعها،والأمر نفسه سوف ينطبق على وقائع هبة البراق/ 1929/،والحركة القسامية 1933- 1035،وكذلك الثمرة الفلسطينية الكبرى بمراحلها الثلاث ( وفق التصنيف الدراسي أيضاً). لكننا إزاء ذلك سوف نلحظ ناظماً أساسياً فيما بين كل هذه الثورات والانتفاضات، لقد كانت رداً على التحدي الذي فرضه الاحتلال على أرضنا، أي بكلمات أخرى: إن وجود الاحتلال هو العامل الأساسي والحاسم في تفجير الثورة.. وهكذا فقد يصف البعض ثورة العشرين بأنها تحرك عمالي في مواجهة ( عبرنة) العمل. وثورة ( البراق) بأنها رد على التعديات الصهيونية المتواصلة على حائط البراق الشريف، وحركة القسام بأنها احتجاج واعٍ وعميق ( سوف يرخي بظلاله على العمل الفلسطيني والقومي طويلاً)، على الدعم البريطاني للمشروع الصهيوني، ومحاولة جادة ومبكرة في تشخيص "معسكر الأعداء"، وأسلوب الإجابة على التناقض معه، والثورة الفلسطينية الكبرى بأنها التحرك الأشمل في مواجهة زيادة معدلات الهجرة اليهودية الخ.

هذه كلها توصيفات صحيحة، لكنها سوف تأخذنا مباشرة إلى القانون الأساسي الذي لا يزال يحكم حركة النضال الفلسطيني كله، وهو " ما دام هناك احتلال فسوف تكون هناك مقاومة".

يحاجج البعض في هذا القانون بالقول: إذاً لماذا لم تكن الثورة متصلة ومتواصلة؟.

وفي الواقع لا يستطيع أحد أن يؤشر إلى سمون فلسطيني في مواجهة الغزوة الصهيونية، فبعد أن انطلقت التحذيرات الفكرية والنظرية، مع مطلع القرن الماضي، حرى الانتقال مع ارتفاع منسوب التحدي إلى المواجهة المسلحة، وفق الأمثلة التي استعرضناها سابقاً.

على أن السنوات الفاصلة ما بين التحرك الكبير والذي يليه، لم تكن مما ينطبق عليه القول بالسكون، فالمواجهات كانت يومية ومفتوحة، وحال عدم اتخاذها طابعاً شمولياً لم تكن لتغيب أبداً.

على أن من يذهبون إلى منطق الأمور بخواتيمها، متناولين مراحل الكفاح الوطني والقومي، بوصفها محطات منعزلة سوف يقودهم المنطق نفسه إلى إهمال الكثير من الوقائع، على افتراض أن النتائج المرجوة لم تتحقق، وفي هذا ما يسقط عنصر المراكمة النضالية من ناحية،ويغفل صفحات مشرقة من المقاومة من ناحية أخرى.

ولعلها مناسبة للدعوة إلى درس وقائع السنة الفاصلة ما بين 29/11/1947 ( تاريخ صدور قرار التقسيم عن الجمعية العامة للأمم المتحدة) وما بين 29/11/1948، حيث كانت بعض بؤر المقاومة ما تزال في حال تصد للاحتلال الصهيوني، فهذه السنة التي شهدت النكبة، هي في الوقت نفسه سنة غنية بالأحداث وحافلة حتى بمآثر بطولة عربية،وعربية فلسطينية.

ليس القصد هنا القيام بقراءة تريد إحداث تغيير في الوقائع، بل درسها واستخلاص العبر المناسبة، التي سنتبين معها مساهمة تلك الوقائع في التأسيس للمراحل اللاحقة من الصراع، (مثلاً معركة القسطل واستشهاد القائد الحسيني،ومجزرة أبو شوشة،ومعارك القدس، ومعركة صفد..) .

سوف يكون هذا مفيداً أيضاً في معاودة اكتشاف وقائع الخمسينات الفلسطينية، التي مهدت لانطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة، في الفاتح من كانون الثاني عام 1965،و المهم في هذه المعاودة، إدراك حقيقة أن هذه السنوات التي تلت النكبة، لم تشهد توقفاً في النضال الفلسطيني، ففي الأراضي المحتلة عام 1948، التي أخضع فيها أبناء شعبنا للحكم العسكري، تم تشكيل الأطر الأولى للتأكيد على الانتماء الوطني والقومي لعرب فلسطين المحتلة.

 وبينما كانت السنوات الأولى للثورة الفلسطينية المعاصرة تتبلور في مخيمات اللجوء، في غزة والضفة والأقطار العربية، كان القطاع يشهد حركة دائبة مقاومة، وكان العدو يشن غاراته على المخيمات والقرى، وشهدت عدد من مدن الضفة حراكاً شبيهاً وإن بنسبة أقل لأسباب معروفة.

 لقد جاء انطلاق الثورة الفلسطينية عام 1965، محصلة لهذا التراكم النضالي، وربما يورد الدارسون اسباباً ومعطيات عديدة هي صحيحة أيضاً، ولكن الجوهر يبقى مرتبطاً بالقانون الأساسي الذي أشرنا إليه سابقاً، والذي يستمر بحكم حركة النضال الفلسطيني، من مرحلة إلى أخرى، حتى إذا فقط شكل القدرة على تشكيل انسجام كلي وتام مع هذا القانون، أبدع الشعب أشكالاً جديدة، تعيد تأكيده وترسيخه.

إنه لعلى درجة فائقة الأهمية أن نعاود التأكيد على هذا القانون اليوم، أولاً لأنه يمثل أدق تعبير عن الواقع، ومن ثم في مواجهة كل ذلك الزيف الذي لم يعد يريد فقط حرف النضال الوطني عن أهدافه، وتغييب حقائقه،وإنما التشكيك فيه أيضاً، ووصفه بذات التعبيرات التي يستخدمها العدو.

إن حقنا في المقاومة مشروع وطبيعي، وواجب أيضاً، طالما بقي الاحتلال جاثماً على أرضنا، ولن تفلح قوة مهما كانت أن تفرض على شعب واقع تحت الاحتلال أن يكف عن المقاومة، ففي الحال سوف يكون هذا الأمر متناقضاً مع طبيعة الأشياء، وبالتالي مستحيل التحقق.

وإذا كان قد جرى على الألسن اليوم تعبير ( المرحلة الحساسة)، وما شابه من تعبيرات، فإن الإجابة على التحدي الذي تفرضه مرحلة من هذا النوع، إنما تكمن في رفع الصوت بالحقائق، والتأكيد أولاً ودوماً على الحق في المقاومة، فهذا ما يمكن أن يحقق شيئاً في هذه المواجهة، أما ما هو غير ذلك فليس أكثر من استجابة لوصفة قاتلة، تريد للشعب أن يتجرع السم على انه الترياق، بل ويصفه بأنه كذلك.

في هذه الأيام يحتفل الشعب الفلسطيني بذكرى مرور سبعة وثلاثون عاماً على انطلاق ثورته المعاصرة،وهو احتفال يأتي في الوقت الذي يواصل فيه هذا الشعب نضاله، متابعاً السير نحو الهدف ذاته، الذي أرادته تلك الرصاصات التي شقت سكون ليل الأول من كانون الثاني عام 1965.

ومن المهم أن تكون هذه الذكرى حافزاً لترجمة القانون الذي اكتشفه الشعب بالبداهة، وظل دوماً يتعرف على أساسه، منذ أكثر من اثنين وثمانين عاماً.

علاء اللامي 

أسرار خطيرة لها مذاق الفضائح

في تفاهمات " بيلين /أبو مازن " !

في رده على مقالة لآري شفيت (هآرتس 9/11/2001 ) طالبه فيها بتحمل المسؤولية عما  سُمي  " تفاهمات بيلين  /أبو مازن " كشف "يوسي بيلين"  عدة حقائق كانت مخبوءة حتى زمن قريب عن تلك التفاهمات وعن طابعها السياسي والاستراتيجي الخطير .

  فبعد أن يعلن "بيلين" عن تحمله  المسؤولية عن تلك التفاهمات ، بل وعن اعتزازه بها ، ثم يضيف عبارة لها مغزاها بعد ذلك إذ يقول : ( مثلما أفعل مع اتفاق أوسلو ) ومعنى ذلك أن أسلو والتفاهمات وغيرهما من الاتفاقيات الوثاثق المعلنة والسرية تنتظم في سياق واحد يهدف من خلاله مهندسو الاستراتيجية الصهيونية الأكثر بعد نظر الى تصفية القضية الفلسطينية فعليا،  مقابل منح بعض مظاهر التنازلات الوهمية ، وبعض التنازلات الحقيقية التي لا أهمية تاريخية لها، وبما يضمن أسس وثوابت المشروع الصهيوني ودولته القائمة على أساس الميز الطائفي والعنصري، مع إجراء بعض التعديلات هنا وهناك .

   أولى تلك الحقائق التي تعلن عنها "بيلين" في مقالته هذه هي أن تلك " التفاهمات " لم تقترحها إسرائيل والفاهم يفهم كما يقال ! بمعنى أن المبادر لتلك التفاهمات هو الطرف الفلسطيني على عكس ما أشيع حينها . أما المحتوى السياسي الملموس لتلك التمايزات فيرتكز على النقاط البرنامجية التالية وسنوردها بمفردات بيلين :

-التفاهمات تقترح حدودا جديدة بين إسرائيل والدولة الفلسطينية .

-تضم إسرائيل بضع كتل إستيطانية تعيش فيها أغلبية المستوطنين مقابل تبادل للأراضي .

-تتضمن التفاهمات ترتيبات أمنية على مدى 12 سنة .

-تحل مشكلة اللاجئين دون اعتراف إسرائيل " بحق العودة " وبدون تطبيقه .

-         تسوية انتقالية في القدس دون تقسيم السيادة فيها حتى الحل النهائي .

-         إعطاء سيادة خارج إقليمية على الحرم الى الفلسطينيين .

-         لم تتضمن التفاهمات إقرارا صريحا بإنهاء النزاع وإن كان الأمر يفهم من الصياغة .

  لنسجل أولا، أنها المرة الأولى التي يطرح فيها المحتوى السياسي لتفاهمات "بيلين /أبو مازن" بهذا الوضوح والتفصيل . ولنسجل ثانيا أنها ليست المرة الأولى ويبدو إنها لن تكون الأخيرة التي نستقي فيها أخبار وأسرار قضايا الرئيسية من إعلام العدو وعلى ألسنة مسؤوليه في حين يطبق إعلامنا ومسؤولونا السياسية الإعلامية الرسمية المتكتمة على كل شيء والمطبقة من المحيط الى الخليج ، تلك السياسة التي لا تقيم كبير وزن لحق الناس في معرفة الأخبار والأسرار التي تهم حياتها وقضاياها المصيرية . بعد تسجيل هاتين الملاحظتين نعود لقراءة وتحليل بنود التفاهمات السابقة ونحاول " ترجمتها " الى لغة الواقع :

-         عبارة  الحدود الجديدة بين "إسرائيل والدولة الفلسطينية" تعني،شئنا أم أبينا ، تراجعا فلسطينيا عن مبدأ الانسحاب الى خطوط الرابع من حزيران 1967 التي وافق عليها الصهاينة في معاهداته ومفاوضاتها مع جميع الدول العربية التي احتلت بعض أراضيها ، ويعني أيضا ضمان بقاء الكتل الاستيطانية الكبرى على الأرض الفلسطينية المحتلة مقابل قطعة من الأرض الفلسطينية الصحراوية والمحتلة منذ 1948 .

-         الترتيبات الأمنية لفترة 12 عاما بين الدولة الفلسطينية الموعودة والكيان الصهيوني النووي، لن تعني و في أقصى حالات التفاؤل توفير الضمانات والترتيبات الأمنية للدولة الفتية " الفلسطينية "التي ستواجه شبكة معقدة من المشكلات والمآزق المتوقعة على حساب "الدولة "النووية المدللة غربيا  ذات الاقتصاد القوي والتطور التكنولوجي العالي " إسرائيل "، بل على العكس من ذلك ستكون على حساب الأولى لصالح الثانية . بمعنى: أن الدولة الفلسطينية الموعودة والتي ستقام على أشلاء جغرافية مراقبة بقسوة وبدقة ، ينبغي أن تكون من وجهة نظر الصهاينة منزوعة السلاح وليس لها حدود دولية ، وتابعة اقتصاديا للعملاق الصناعي و التكنولوجي الصهيوني ، وستكون أيضا مسروقة المياه ، مستباحة السماء، مثقلة بالالتزامات والأعباء ..هذا ما ظهر من أمر الترتيبات الأمنية أما ما خفي فسيكون أعظم وسيحول الدولة " الموعدة " الى سجن كبير مرفوع عليه العلم الفلسطيني ومفاتيحه في جيب الجنرالات الصهاينة .

-                       أما البند الخاص بالقدس فليس أقل بؤسا  وفضائحية من سابقيه إذ هو يقوم على أساس تسوية انتقالية فارغة من أي معنى طالما ستظل السيادة غير المقسمة بيد المحتل الصهيوني أما الفتات المسموم  المتمثل بإعطاء السيادة على الحرم للفلسطينيين فيفرغه من أي محتوى  وصف تلك السيادة بعبارة " سيادة خارج إقليمية " الغامضة وغير القابلة للتعريف الفقهي السياسي . وحتى هذا الفتات سيرفضه  فيما بعد إيهود باراك في " كامب ديدفد 2 ". وليس ثمة دليلا أكثر صدقا على عدم جدية وصدقية الصهاينة في موضوع السلام من هذه المواقف المراوغة والاستحواذية، المدعومة بالسلاح النووي الغربي وأموال دافع الضرائب الأمريكي والأوروبي والإعلام العالمي المتصهين .

-                       أما البند الخاص بأهم عناصر القضية الفلسطينية الجوهرية ألا وهو حل قضية اللاجئين الفلسطينيين الذين قذف بهم المشروع الاستيطاني خارج بلادهم وتركهم يعانون ويلات التشرد فهو بند في منتهى الخبث وسوء النية يقوم على ثلاث ركائز متناقضة هي :

-                       حل مشكلة اللاجئين .

-         عدم اعتراف (إسرائيل) بحق عودة اللاجئين .

-         عدم تنفيذ حق عودة اللاجئين .

  أي معنى إذن للركيزة الأولى ،إذا كانت الثانية تفرغها من محتواها الشرعي والتاريخي القائم على اعتراف كيان العدو بمسئوليته عن كارثة وجريمة تشريد الشعب الفلسطيني ، وتطيح بها عمليا الركيزة الثالثة التي تمنع تنفيذ حق عودة اللاجئين ؟ أليست الموافقة على هذا البند من التفاهمات يمثل خيانة صريحة لمعاناة ملايين الفلسطينيين المشردين والمطرودين من بلادهم ؟ أليست تصريحات سري نسيبة الأخيرة هي التجسيد الجديد والفاقع  لتفاهمات "بيلين أبو مازن " ؟ وما الذي يتبقى من القضية الفلسطينية إذا غُيِّب جوهرها وهو الخاص بضمان حق العودة لجميع اللاجئين الفلسطينيين الى مدنهم وقراهم التي طردوا منها ؟

  المثير للاستغراب والريبة أن حجج الصهاينة الرافضة لضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين تتكئ الى ذات النوع من  الحجج التي يرفعها التيار التفريطي الذي يمثله سري نسيبة والموافقين على تفاهمات "يبلين /أبو مازن" والقائلة بالاستحالة العملية لتنفيذ عودة اللاجئين الفلسطينيين الى مدنهم وقراهم وهذا مجرد وهم وأكاذيب فندتها دراسات حديثة وموثقة بالأرقام والمعطيات قدمت على امتداد العقديين الماضيين ، ومن أهمهما الدراسات والأبحاث التي قدمها الباحث الفلسطيني المعروف سلمان أبو ستة صاحب الكتاب القيم " حق العودة الفلسطيني : مقدس وشرعي وممكن " وهذه خلاصات سريعة لما توصلت إليه استقصاءات وأبحاث أبو ستة :

-         إن الوضع الديموغرافي وتوزيع السكان اليهود لم يتغير كثيرا منذ سنة 1948 حيث يسكن أقل قليلا من الثلثين في أرض مساحتها 1600 كم مربع ويسكن الثلث الثالث منهم في أرض مساحتها 1700 كم مربع وهذه هي نفس مساحة الأرض التي كانت تعود ملكيتها للفلسطينيين المقتلعين والمطرودين من وطنهم . بمعنى ، وهذا ما توضحه الصحافية الصهيونية المعروفة " عميرة هاس " حين تقول  :  (أن بين 160 ألف الى 200 ألف يهودي يعيشون  اليوم على أرض كان يعيش عليها مليونا إنسان  فلسطيني / جريدة هآرتس 23/7/2000  )

-         حتى إذا عاد جميع اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات غزة - وغالبا ما ينسى البعض مأساة هؤلاء اللاجئين من وطنهم في وطنهم - حتى إذا عاد هؤلاء الى ديارهم في وسط فلسطين فلن يتغير طابع الأغلبية اليهودية هناك .

-         ومن خلال مداخلة تلفزية للأستاذ سلمان بو ستة في برنامج "أكثر من رأي " في قناة الجزيرة القطرية خلال سنة ذاتها  نعلم أن ثمانين بالمائة من اليهود يعيشون على 15% من أرض الدولة الصهيونية وأن 18% منهم يعيشون في مدن فلسطينية وما تبقى منهم فيعيشون في الكيبوتسات بمعنى أن 200 ألف إسرائيلي يعيشون على أرض زراعية مساحتها 18 مليون دونم من أرض فلسطين التاريخية !!

-         ثمة شهادة  للأستاذ  في جامعة حيفا " إيلان بيبه " لا بأس من تكرارها على مسامع المفرطين الفلسطينيين من أصحاب التفاهمات قال فيها : ( إن عدد سكان مخيم جباليا للاجئين في غزة يساوي عدد السكان في مدينتين يهوديتين في شمال البلاد أو ثلاث مدن في الجنوب واللاجئون يضيف بيبيه في غزة يعيشون باكتظاظ يبلغ 4200 أربعة آلاف ومائتي شخص للكيلو متر المربع الواحد ولو كنتَ يخاطب مواطنه الإسرائيلي أحد هؤلاء اللاجئين ونظرت من خلال الأسلاك الشائكة حيث توجد أرضك ورأيت أنها شبه فارغة أو مأهولة بنسبة خمسة أشخاص للكيلو متر المربع فما الذي كنت ستشعر به ؟)  

  آخر بند في التفاهمات تطرق الى موضوع " الإقرار الصريح بإنهاء النزاع " و الترجمة السياسية والتاريخية لهذه العبارة " الكمين " هي ( الاعتراف الصريح والرسمي والتحريري من قبل قيادات النضال التحرري الفلسطيني بالهزيمة أمام المشروع الصهيوني وبأن الفتات الذي سيقدم  لهم في المفاوضات هو الثمن لإنهاء وعدم تكرار أية مطالبات فلسطينية لاحقة بالحقوق التاريخية أو تلك التي قد تستجد ..) ويمكن تطوير هذه الصيغة شديدة الدهاء لكي تجعل من الفلسطينيين شعبا ودولة موعودة حرسا وحماة للدولة الصهيونية ..الخ . صحيح أن تفاهمات بيلين أبو مازن لم تتضمن هذا الإقرار الصريح بإنهاء النزاع ولكن الأمر كما يقول بيلين حرفيا يفهم من الصياغة . ولأن العبارة الأخيرة لم تعجب الجنرال العمالي  "إيهود باراك " وقيادته فقد أصر هذا الأخير  وبحزم خلال مفاوضات "كامب ديفيد 2 " على ( التطرق الصريح لنهاية النزاع ) كما يخبرنا " بيلين ". إصرار وحزم لم يلحظه أحد من المراقبين لدى"باراك" حتى بخصوص موضوع القدس ولكنه كان حاضرا في قضية النهاية الصريحة والاعتراف الفلسطيني الرسمي بنهاية النزاع !! إنه المنطق اللصوصي الصهيوني وقد استفاد كثيرا من التجارب الاستعمارية الغربية لشتى أقطار العالم .

يختم بيلين كلامه بالقول( أن مشروع كلينتن هو المرحلة المتقدمة من التفاهمات بيني وبين أبو مازن ) ويمكن تمديد جوهر هذا الموقف وسحبه على أيضا على مشروع " دولة بوش " الفلسطينية والتي ستكون من وجهة نظر محايدة مجرد مرحلة أكثر تقدما من مشرع كلنتن ! إنه الدوران في الحلقة المفرغة التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية مقابل بعض التنازلات الهزيلة وإسدال الستار على مأساة شعب مازالت مستمرة .

  وبعد كل ما تقدم من كلام يتساءل المرء الى متى ستستمر سياسة الصفقات السرية من وراء ظهر الشعب المنتفض والذي سطر ومازال يسطر أروع صفحات التضحية في معركة الحرية ويقدم يوميا الشهداء ؟ ألا يمكن اعتبار تلك الصفقات التي انتهت الى الجدار وتلك المحاولات التفريطية والتي لم تثنِ الصهاينة عن عنادهم وتطرفهم قيد أنملة تخريبا للنضال التحريري الفلسطيني ؟ لقد جربت العناصر والقيادات التفريطية والمتهاونة والساعية الى الصفقات مهما كان ثمنها كل الطرق الالتفافية والسرية ففشلت فلماذا لا تجرب  مرة واحدة ، مرة واحدة  فقط ، التعامل بصراحة وشفافية مع شعبها وقواها الطليعية في الميدان وتراهن على قواهم وتضحياتهم  وتكف عن الدبلوماسية السرية واللعب بدماء الناس على طاولات المفاوضات الماراتونية العقيمة ؟ الديموقراطية في التعامل مع الشعب وفي صياغة القرار الكفاحي  ليست ترفا لبراليا في حالة الشعب الفلسطيني بل هي  شرط من شروط تحقيق النصر والظفر بالحرية والعودة فمتى يفهم عشاق الصفقات السرية ذلك ؟   

 

سياسة الخضوع والإذعان ومحاولات اغتيال الانتفاضة

هل تؤدي إلى أوسلو جديد؟

بعد سلسلة من الإخفاقات التي منيت بها حكومة شارون وفشلت في وضع حد للمواجهات الدائرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، استشعرت القيادة <<السياسية العسكرية>> الصهيونية بالخطر الذي يتهدد أمن القاعدة الصهيونية جراء الوحدة الشعبية التي تجلت في الانتفاضة الفلسطينية، الأمر الذي يجعلها في خانة التقصير وعدم القدرة على تهويد فلسطين في ظل علاقة متوطدة مع الولايات المتحدة الأميركية. وهو أحد عناصر أزمة المشروع الصهيوني في مرحلة دقيقة من مراحل بنائه، مما يستدعي تعزيز التعاون العدواني للأداة الاستيطانية من أجل التعويض عن هذا الخلل الكبير.

ومنذ أن شرعت الولايات المتحدة في القيام بعمليات حرب <<الحرية الدائمة>> راح شارون الذي سيطرت عليه شهوة العدوان يضبط خطواته على إيقاع الخطوات الأميركية مستغلاً بذلك تنامي الشعور الغربي الأميركي للعرب والمسلمين فشن حملاته العوانية ضد الشعب الفلسطيني مستخدماً الدبابات والطائرات الحربية في قصف المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية وأطلق قواته العسكرية لتعيث فساداً فيها تنفيذاً لاستراتيجيته العنصرية التي تقوم على أساس تصفية الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، الذي يرى فيه الصهاينة شكلاً من <<الإرهاب>> يجعل حياة المستوطنين في حالة من القلق الدائم، مما يستوجب اقتلاعه والقضاء عليه كي ينعموا بالأمن المفقود، حيث أقدم الإرهابي شارون على تنفيذ عدوانه الهمجي تحت غطاء أميركي، فلجأ إلى شن حملات الإبادة الجماعية وهدم المنازل والمنشآت وجرف الأراضي الزراعية، ومارس ضغوطه على سلطة الحكم الذاتي لإجبارها على تفكيك فصائل المقاومة، واعتقال كوادرها الناشطين في الانتفاضة بهدف تكريس الاحتلال وضرب كل ما من شأنه أن يمثل الحضور الفلسطيني المتنامي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

لقد اعتقد الصهاينة أنهم من خلال استخدام العنف وسحق الانتفاضة يمكن أن يطفئوا جذوة المقاومة في الشعب الفلسطيني المكابد الذي أحبط بصموده وتضحياته كل محاولات النفي والتغييب، وحقق بانتفاضته أروع وحدة نضالية ميدانية في مقاومة الاحتلال، وعزز من قوة الحضور الفلسطيني من خلال التمسك بالهوية الوطنية والتشبث بالأرض والرفض القاطع للتعايش مع الاستيطان مما زاد من تفجير الأزمات في صفوف المستوطنين، حيث دخل الصراع إلى كل بيت من بيوتهم وسيطر عليهم الرعب الذي خلق لهم أزمو وجود لم يسبق لها مثيل، فقد فشلت مخططات شارون العدوانية التي هدفت إلى قمع الانتفاضة دون أن يفي بوعوده الانتخابية وسيطرت عليه حالة من العجز والارتباك انعكست على مجمل الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية وأدت إلى تصاعد الهجرة المعاكسة حيث يرغب 24% من المستوطنين بالهجرة. وفي إشارة لذلك يقول اليهودي يوئيل ماركوس في صحيفة هآرتس بتاريخ 9/11/2001م: <<في أيام شارون صار قتل الإسرائيليين روتينياً وبالإجمال فإن الحكومة الكبيرة لم تفلح في تأدية أي وظيفة صغيرة أم كبيرة ولم تحل أي مشكلة>>. وللخروج من هذا المأزق لجأ شارون إلى تصدير أزمته عبر التصعيد العسكري. فشن عدوانه على الشعب الفلسطيني واستخدم كل ما في ترسانته العسكرية في حرب إبادة شاملة طالت أجهزة ومقرات سلطة الحكم الذاتي التي يرى فيها شارون شكلاً للتعبير عن الحضور الفلسطيني وذلك في سياق التصدي لما يصفه <<بالإرهاب>> ضمن إطار الوظيفة العدوانية للكيان الصهيوني في المنطقة، في الوقت الذي أرسلت الإدارة الأميركية وفداً يتألف من الجنرال المتقاعد أنطوني زيني ومساعد وزير الخارجية وليام بيرنز إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة من أجل فرض التهدئة وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الانتفاضة، واستئناف المفاوضات بين سلطة الحكم الإداري الذاتي وسلطات الاحتلال الصهيوني على أساس تقرير ميتشل وخطة تينيت دون التطرق إلأى إنهاء الاحتلال مما يجعل المهمة محاولة للتغطية على عدوان شارون المستمر ضد الشعب الفلسطيني، وقد أكد ذلك أنطوني زيني الذي اعتبر الانتفاضة <<عملاً إرهابياً>> في حين أكدت حكومة شارون تمسكها بسياسة تصفية الناشطين في الانتفاضة، أما الإدارة الأميركية فقد اعتبرت أن <<لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها>>.

لقد حرص شارون على تقليد النموذج الأميركي في الحرب الأفغانية التي أنهت مرحلتها الأولى حسب تصريحات الإدارة الأميركية تمهيداً للانتقال إلى دول أخرى في الشرق الأوسط، ممن يعتبرها الرئيس الأميركي <<دول مارقة>> حيث راح شارون يعد نفسه للحرب القادمة، الأمر الذي يستدعي الحسم السريع في المواجهة مع الانتفاضة الفلسطينية بما يؤهله لتوسيع دائرة العدوان إلى خارج الأراضي الفلسطينية واستهداف الأراضي اللبنانية والقوات السورية المتواجدة عليها، وكانت سلطات الاحتلال قد قدمت قوات صهيونية خاصة لمشاركة القوات الأميركية الخاصة وتوجيه ضربات قوية وموجعة للعراق تكون بمنزلة <<ضربات وقائية>>.

وفي هذا السياق توجه شارون للضغط على ياسر عرفات لإرغامه على تنفيذ المطالب الصهيونية وإثبات مصداقيته إذا كان ضد الإرهاب، ويلزمه باتخاذ القرارات المناسبة حسب التعليمات التي تنطوي على تحقيق الأمن للاحتلال الصهيوني. وقد ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت الصهيونية في 7/12/2001 أن الإدارة الأميركية وجهت بهذا الخصوص <<19>> مطلباً إلى سلطة الحكم الإداري الذاتي ورفضت الاستجابة لطلبها في التدخل من أجل وقف العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني، وتحت هذا الضغط الأميركي-الصهيوني رضخت سلطة الحكم الذاتي واستجابت لمطالب الاحتلال وقامت بتقديم حسن السلوك للولايات المتحدة، فأدانت العمليات الاستشهادية واعتبرت الفصائل المسلحة هي عبارة عن تشكيلات خارجة عن القانون، وسارعت إلى تنظيم حملات اعتقال لكوادر الانتفاضة، وأغلقت المؤسسات التابعة لهذه الفصائل وطالبتها بتسليم مدافع الهاون التي بحوزتها، وأعلنت وقف إطلاق النار حتى في حالة الدفاع عن النفس.

وعلى الرغم من الرضوخ والاستجابة لمطالب وشروط الاحتلال إلا أن الحكومة الصهيونية لم تثق بهذه الإجراءات وقد طلب رئيس أركان جيش الاحتلال شاؤول موفاز من سلطة الحكم الذاتي القيام بالمزيد من الإجراءات معتبراً أن ما أعلنه عرفات هو مجرد كلام لا يكفي، وإنما يجب أن يتبع بعمليات تحقيق ومحاكمة وفرض عقوبات حسب تعبيره بأن السلطة لم تخذ قراراً استراتيجياً لمكافحة <<الإرهاب>> أما شارون فقد عبر عن ارتياحه لحملة الاعتقالات التي نفذت ضد الكوادر الناشطين في الانتفاضة إلا أنه غير مقتنع بأن السلطة تقوم بتنفيذ المطلوب منها كاملاً، وفضلاً عن ذلك فقد قام شارون بمنع عرفات من التوجه إلى بيت لحم للمشاركة في قداس عيد الميلاد المجيد، وفرض عليه عدم مغادرة رام الله ما لم يقم بتسليم المتهمين بقتل وزير السياحة الصهيوني، وبالمقابل واصلت قوات الاحتلال حصارها للمناطق الفلسطينية والاعتداء على الفلسطينيين وقصفهم بالطائرات الحربية والدبابات.

وقد أعلن وزير الحرب الصهيوني بنيامين بن أليعازر عن عزمه على تنفيذ سياسة القمع والعدوان ضد الشعب الفلسطيني <<وأن القوات الإسرائيلية ستواصل الحصار وتشديد الخناق ضد الشعب الفلسطيني>> بهدف ملاحقة الناشطين في الانتفاضة، في إطار خطة شارونية تسعى إلى إيجاد واقع جديد من شأنه أن يحقق مكاسب ميدانية على الأرض في ظل التحركات السياسية التي يخشى شارون أن تسفر عن ضغط دولي يقود إلى استئناف المفاوضات، وذلك كي يقطع الطريق على سلطة الحكم الذاتي ويمنعها من الدخول في المفاوضات، فلجأ إلى تدمير أجهزتها واعتبرها داعمة للإرهاب، طالما أنها قصرت في أداء دورها في ملاحقة المناضلين، ومن جهة أخرى إذا لم ينجح شارون في إفشال المفاوضات فيكون قد أضعف الطرف الفلسطيني لكي يأتي إليها منهكاً مما يساعده على فرض هدنة طويلة يعيد فيها انتشار قوات الاحتلال من جديد، تاركاً مساحة محدودة من الأرض تستطيع سلطة الحكم الإداري الذاتي أن تتحرك عليها للقيام بدورها ضمن ما يسميه كيان فلسطيني على 42% من مساحة الضفة الغربية.

إن إذعان سلطة الحكم الذاتي للشروط الصهيونية لن يساعد على حماية الشعب الفلسطيني من شلال الدم كما يزعمزن ولن يعمل على لجم شارون الذي يستند في ممارساته على مرتكزات أيديولوجية وعنصرية في إبادة الفلسطينيين، بل على العكس فهي تقدم له المبررات لطلب المزيد من التنازلات ولن يتوقف الأمر عند حد وقف الانتفاضة بل سيتجاوزها إلى تكليف من يتولى منع تكرار العمليات ضد الاحتلال من خلال التنسيق الأمني لتصفية كل من يفترض الصهاينة أنه يشكل خطراً على حياتهم وعلى أمن مستوطنيهم، وفق الاتفاق الأمني الذي تم التوصل إليه بعد اتصالات واسعة بين وزير الخارجية الصهيوني شمعون بيريز ورئيس المجلس التشريعي في سلطة الحكم الذاتي أحمد قريع بمباركة أميركية فهل يكون اغتيال الانتفاضة ثمناً للتضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني طوال عام ونيف من المواجهات الدامية؟ وهل نحن على أبواب أوسلو جديد؟؟ٍ 

الأسباب أمنية أم سياسية؟

المعتقلون في سجون سلطة الحكم الذاتي

الشعب الفلسطيني الذي عمقت سنوات الاحتلال تجربته السياسية لن يسمح بمن يتلاعب به

من كان يعتقد أن زعيماً فلسطينياً سيوافق على التوقيع على اتفاق يرسخ لسنوات عديدة دائمة التفوق الديمغرافي للصهاينة في كيان العدو، فأسقط بذلك الحق التاريخي بالأرض، في الوقت الذي يفهم فيه الصهاينة أن هناك احتلالاً، هذا جانب، أما الجانب الآخر ففي ظل تصاعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية كان لا بد من طرح قضية المعتقلين الفلسطينيين داخل السجون الفلسطينية للمناقشة، لمواجهة الوحشية الصهيونية بقيادة الإرهابي شارون.

فبإجماع كل من السلطة الفلسطينية وقوى المعارضة-خاصة حركة حماس-تمثل قضية المعتقلين واحدة من اصعب الفصول في تاريخ العلاقات بينهما ففي الوقت الذي تؤكد فيه السلطة أن هؤلاء المعتقلين تم اعتقالهم بناء على خلفيات أمنية وليس بينهم معتقل سياسي أو سجين رأي، فإن قوى المعارضة ومنظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية والكثير من أعضاء المجلس التشريعي يؤكدون-أيضاً-أن احتجاز هؤلاء المعتقلين تم لأسباب سياسية وبدون مسوغات قانونية مطالبين بإطلاق سراح كل من لم تثبت إدانته بتهم أمنية وماكمة المدانين منهم. أحد المسؤولين في <<السلطة>> أكد أن عدم محاكمة هؤلاء المعتقلين يرجع بصورة رئيسية إلى الخوف من انفجار مشاكل داخلية من ناحية، كما أن السلطة لا تستطيع أيضاً إطلاق سراح الكثيرين من المعتقلين لأنهم متورطون في مخالفات تخل بالتزامات الجانب الفلسطيني تجاه الجانب الصهيوني بناء على الاتفاقات الموقعة بين الجانبين.

نذكر ما قاله ماجد أبو دياك معبراً عن أن الدم الفلسطيني لن يكون وقوداً للمفاوضات العقيمة وأن ما يجري في الشارع الفلسطيني من مظاهرات ومسيرات وتحركات جماهيرية غاضبة تضامناً مع المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال يعبر بشكل واضح عن مكامن الغضب والسخط الفلسطيني إزاء استمرار اعتقال الآلاف من الفلسطينيين في سجون الاحتلال على الرغم من كل ما قدمته السلطة الفلسطينية من إمكانية تحرير هؤلاء المعتقلين من خلال المفاوضات الجارية.

إلا أن المدلول الأهم لهذه الغضبة الجماهيرية الفلسطينية هو أن الشعب الفلسطيني ما زالت لديه شحنة كبيرة من الاستعداد والتوثب النفسي لمقارعة الاحتلال والتصدي له، كما أن لديه قدرة كبيرة للتصدي للعدو الصهيوني بكل ما يملك من قدرات وطاقات، شريطة أن تتاح له الفرصة لذلك وأن لا تحول <<السلطة الفلسطينية>> بينه وبين الاحتلال كما يحصل في معظم الأحيان استثناء بعض المناسبات التي تحاول فيها السلطة استخدام وتوجيه مكنونات الغضب الفلسطيني لتحقيق مكاسب سياسية محدودة.

وهنا نتساءل: كيف يمكن تفسير الحرص السلطوي على إطلاق سراح المعتقلين في سجون الاحتلال في الوقت الذي لا تزال فيه هي نفسها تعتقل المئات من المجاهدين في سجونها وتضيف إليهم العشرات شهرياً، ومن بينهم المجاهد الكبير محمد الضيف الذي اعتقته بعد أن دوخ الاحتلال بإشرافه على العمليات البطولية التي نفذت بعد استشهاد يحيى عياش ومحيي الدين الشريف؟!

إن هذا التناقض الغريب في موقف السلطة والذي يبرر في فترات زمنية معينة يؤكد أن قضايا الشعب الفلسطيني ومطالبه وحقوقه أصبحت مجرد مادة مساومة لتحقيق إنجازات هزيلة في المفاوضات التي لا تلبي آمال وتطلعات الشعب الفلسطيني ولا تستحق ما يبذله الشعب الفلسطيني من دمه من أجلها، وعندما تحصل السلطة على بعض المكاسب الشكلية أو تتعرض لضغوط صهيونية أميركية فإنها سرعان ما تتحول إلى ممارسة دورها الحقيقي الذي من أجله جاءت وهو حماية أمن الاحتلال.

وإذا كانت <<السلطة الفلسطينية>> تظن أنها تستطيع الاستمرار في خديعة الشعب الفلسطيني أو تحجيم نضالاته وحركته الشعبية لتحقيق أهدافها الشخصية أو الحصول على مكاسب سياسية وإعلامية هزيلة، فإنها تكون مخطئة إلى أبعد الحدود، فوعي الشعب الفلسطيني الذي صقلته سنوات الاحتلال الطويلة وعمقته التجربة الثرية في الداخل والشتات مع التنظيمات الفلسطينية والأنظمة العربية لا يمكن أن يسمح لأحد مهما كان أن يستغله أو يتلاعب به.

ويقول د.أحمد نوفل أستاذ العلوم السياسية وخبير القاون الدولي: الحرب بيننا وبين المشروع الصهيوني شاملة، هكذا كانت وابتدأت، وهكذا استمرت، وهي باقية على ذلك إلى نهاية المطاف.

حتى إذا جئنا إلى العصر الحالي وجدنا تجليات الهزيمة على عدة صعد، منها: افتراقنا في النظرة إلى الإسلام العظيم كمخرج من أزماتنا ومما نعانيه، وما يتردى واقعنا فيه من هزائم، ثم افتراقنا-إلى حد التناقض بل الاحتراب-في النظرة إلى العدو، فمن يرى خطره، متجلية له أطماعه، ومن يرى مستقبلاً زاهراً في التعايش بل والتعاون معه.. ومخطط لصورة المستقبل على ثابت الوجود الصهيوني.. لقد كشف <<السلام>> الكثير من مخبوئنا الملوث، وكشف عن حجم الاختراق القديم والمتشعب في حياتنا، بل وعن مروعة مرعبة للهزيمة النكراء على صعيد الفكر.

إن العدو قوي بأسلحته لكنه ضعيف أمام إصرارنا على حقنا وتوكلنا على ربنا سبحانه وتعالى. والانتفاضة التي بهرت العالم وكشفت خبيئة الأعداء الخبيثة، عرفوا كيف يوظفون من بني جلدتنا من يسوق فينا الوهم المدجج وأسلحته.

لم نكسب دولة كما زعموا، ولم تجدنا، ولكنا حشرنا روحنا، وفكرنا المقاوم، وثقافة التحدي، لنستبدل بها ثقافة التردي والقبول باليهود، والترويج لهم باعتبارهم ثابتاً من ثوابت المستقبل. إن الانتصار من ذات البدايات يبدأ، وصق الله تعالى القائل في كتابه الكريم: <<إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما في أنفسهم>>. لقد عرف عن الشعب الفلسطيني كرمه اللامحدود وجوده بدمه وبجهود أبنائه المتواصلة من أجل قضيته، ولكن لم يعرف عنه استعداده للاستغفال والاستغلال واللعب على جراحاته وآلامه، وإذا كان قد تحلى بالصبر والحكمة حتى لا يضيع سنوات نضاله الطويلة ضد الاحتلال، فإنه بلا شك سيعرف كيف يصر على انتزاع حقوقه من الاحتلال وكيف يرفض التفريط بها من أي جهة كانت.. وإن غداً لناظره قريب.

كبش الفداء

يقول د.أحمد عبد الحليم أستاذ العلوم السياسية: جرت أول موجة اعتقالات والتي شملت حوالي 800 معتقلاً في عام 1994 بعد تسلم السلطة مباشرة، تم الإفراج عن معظمهم والإبقاء على عدد منهم لفترة زادت على الخمسين يوماً، أما الموجة الثانية والتي شهدت اعتقال 120 معتقلاً فقد كانت في نهاية فبراير عام 1996 ثم تبعتها موجات اعتقالات أخرى، وهكذا دأبت السلطة على استخدام أسلوب الاعتقال ضد أصحاب الرأي والمعارضة السياسية والتي أصبحت كبش الفداء الذي يتم تقديمه على مائدة أي حلقة من سلسلة المفاوضات والاتفاقات مع الصهاينة، وأذكر ما قاله لي الدكتور محمود الزهار أحد قيادات حركة حماس: لقد تم اعتقالي لأسباب سياسية أربع مرات، كما تم اعتقال آخرين من أفراد الحركة لسنوات طويلة مثل الدكتور عبد العزيز الرنتيسي والدكتور إبراهيم المقادمة.

أحكام غير عادلة

وكانت منظمة العفو الدولية <<أمنستي>> قد أشارت في أحد تقاريرها إلى أن <<السلطة الفلسطينية استخدمت محكمة أمن الدولة العليا.. التي قامت بتشكيلها كغطاء للحيلولة دون عرض قضايا بعض المعتقلين أمام محكمة العدل العليا والتي امتنعت عن النظر في بعض هذه القضايا بعدما ادعت السلطة الفلسطينية أنها مطروحة أمام محكمة أمن الدولة العليا والتي قامت بدورها بإصدار بعض الأحكام بحق بعض المعتقلين والتي وصفت من قبل أمنستي بأنها غير عادلة وبناء على ذلك فقد قضت محكمة العدل بأن مثل هذه القضايا لا تشملها ولايتها القضائية>>.

يقول د.عبد الفتاح الميهوب عضو المنظمة العالمية لحقوق الإنسان في القاهرة وهو أحد الرموز المتصدية لقضية الاعتقال: إن تشكيل محكمة أمن الدولة العليا يتعارض كلية مع المبادئ العلنية في المحاكمة وحق المتهم في الدفاع عن نفسه وحق الاستئناف لمحكمة أعلى، كما أنه يتعارض مع نص المادة السادسة من اتفاق أوسلو التي تنص على تولي السلطة الفلسطينية مسؤولية القضاء من خلال سلطة قضائية مستقلة إضافة إلى تعارضها مع قرار منظمة التحرير الفلسطينية الصادر عام 1993 والذي يقضي باحترام المواثيق الدولية كافة ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية، لقد اتخذ المجلس مجموعة من القرارات والتوصيات صدرت تباعاً طالب فيها السلطة بالإفراج الفوري عن كل الموقوفين بصورة غير قانونية وفقاً لقرارات محكمة العدل العليا، كما طالب المجلس أيضاً بوقف سياسة الاعتقال الجماعي والتعذيب وتجاوزات أجهزة الأمن المتكررة والالتزام بالإجراءات القانونية عند الاعتقال.

 أرقام قياسية للمعتقلين الفلسطينيين بسجون العدو الصهيوني

أكدت مصادر قانونية أن حملة الاعتقالات واسعة النطاق التي تقوم بها سلطات الاحتلال عبر أجهزتها الأمنية المتعددة أدت إلى ارتفاع أعداد المعتقلين في سجونها إلى أرقام قياسية.

وأوضحت تلك المصادر أن ازدياد موجة الاعتقالات أسفر عن عودة ظاهرة الاكتظاظ في السجون واستئناف الاعتقال الإداري الذي يستند إلى قوانين الطوارئ البريطانية ويتم بموجبه توقيف الشخص دون محاكمة.

وذكرت المصادر «إن أعداد المعتقلين الفلسطينيين في سجن مجدو العسكري على سبيل المثال ارتفعت خلال الأيام الأخيرة إلى رقم قياسي منذ عام 1997 في ظل استمرار حملات الاعتقال في المناطق الفلسطينية». وأضافت المصادر أن إحصائية أعدها معتقلو السجن تشير الى ان عددهم بلغ 1023 معتقلاً تم توزيعهم على سبعة أقسام فيما لا يزال القسم الأكبر منهم موقوفاً بانتظار المحاكمة.

ووفقاً لتلك المصادر فإن معتقلي (مجدو) ينتمون إلى فصائل المقاومة الفلسطينية كافة وهم على النحو الآتي حركة (فتح) 427 معتقلاً وحركة (حماس) 391 معتقلاً وحركات اليسار الفلسطيني 108 معتقلين وحركة الجهاد الإسلامي 97 معتقلاً.