رداً على سؤال وجهته الزميلة الهدف حول الإرهاب في المنظور الأمريكي.

الأخ أبو خالد: ما تقوم به الولايات المتحدة جزء من مخطط استراتيجي يستهدف المنطقة بداية بإخضاع الحلقات المقاومة وصولاً إلى تصفية قضية فلسطين لمصلحة الكيان الصهيوني.

في إجابة على سؤال وجهته الزميلة" الهدف" حول الإرهاب في المنظور الأمريكي في إطار ملف نشرته في عددها الصادر بتاريخ 3/12/2001 أكد الأخ أبو خالد العملة أمين السر المساعد للجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني" فتح" أن الولايات المتحدة التي تتحدث اليوم عن مكافحة الإرهاب هي التي تمارسه فعلاً وهي العدو الأول للشعوب وشدد أن الهدف الحقيقي وراء حربها المزعومة هو السيطرة على منطقة استراتيجية في العالم ولإعادة صياغته لتقود هذا العالم في القرن الجديد.

ورأى أن ما تقوم به أمريكا جزء من مخطط استراتيجي يهدف إلى تصفية قضية فلسطين لمصلحة أمن ووجود الكيان الصهيوني مؤكداً على حق الشعب العربي الفلسطيني في المقاومة دفاعاً عن الأرض والمقدسات والكرامة وفيما يلي تعيد فتح نشر إجابة الأخ أبو خالد:

س: حددت الإدارة الأمريكية مفهوماً للإرهاب ينسجم ومخططاتها ما هو تقييمكم لهذا الفهم وانعكاساته على قضية فلسطين؟..

ج: بداية إن المفاهيم الفكرية والاقتصادية والسياسية التي تنبثق عن الإدارة الأمريكية و مخططاتها وبرامجها تجاه العالم بشكل عام وبلادنا بشكل خاص، ليست وليدة اللحظة الراهنة،بما حملته من أحداث وتطورات،بل هي أسبق من ذلك بكثير،حيث اعتقدت بشكل جازم بعد انتهاء الحرب الباردة وفشل التجربة الاشتراكية، أنها قادرة على إعادة رسم خريطة الكون وفق رؤيتها الهادفة للسيطرة والهيمنة على مقدرات شعوب العالم، انطلاقا من اعتقادها بالانتصار التاريخي للرأسمالية العالمية التي تقودها الولايات المتحدة.

ومن هنا فلا غرابة أن يعلن رئيس الولايات المتحدة جورج بوش وهو يحاول بناء حلف دولي-بعيداً عن الأمم المتحدة- في مواجهة الإرهاب بأن أي دولة لا تشارك في حلفه هي مع الإرهاب، وهل هناك موقف إرهابي أكثر من هذا الموقف؟ بل زاد على ذلك في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن مصير أي بلد لا يقف مع الولايات المتحدة في حربها ضد طالبان وتنظيم القاعدة سيدفع الثمن كما هي طالبان!

كما أعلنت الإدارة الأمريكية عدداً من القوائم لأحزاب وحركات وتنظيمات فلسطينية وعربية وإسلامية تتهمها بالإرهاب، وهي حركات تحرر وطني،وحركات مقاومة تناضل من أجل تحرير أوطانها ومقدساتها،والعالم يعترف لها بهذا الحق،كما يعترف لها بهذا الحق كل المواثيق الدولية، لكن مقاييس الولايات المتحدة التي فشلت في تحقيق برامجها كما تريد في بلادنا، بعد مؤتمر مدريد،وبعد الانتصار العظيم الذي تم في لبنان بدحر الاحتلال الصهيوني دون قيد أو شرط، من خلال الدعم العربي السوري والفلسطيني والإيراني، وبعد فشل كل أشكال التعاون الإقليمي والتطبيع مع الكيان الصهيوني، وبعد فشل احتواء إيران والعراق وإنهاء الصراع العربي-الصهيوني ووضع اليد على البترول العربي والإسلامي، وبعد اندلاع انتفاضة الأقصى المباركة التي كشفت حقيقة الموقف الأمريكي لمن كان متوهماً بدورها كراعٍ للسلام!،كما كشفت حقيقة السلام الصهيوني، وكشفت بؤس حسابات سلطة الحكم الذاتي وأوهامها..وكشفت عن أزمة النظام العربي،وأزمة حركة التحرر العربية، لكنها حركت الشارع العربي على ضوء هذه الحقائق التي كشفتها الانتفاضة،والمفاعيل التي أحدثتها في تعميق مأزق الكيان الصهيوني بشكل غير مسبوق، وبالتالي فإنها تهدد كل ما أنجزته الولايات المتحدة من خلال الاتفاقات الهادفة إلى تصفية قضية فلسطين،وتمكين الكيان الصهيوني بأن يقوم بالدور القيادي المركزي لشرق أوسط جديد حاولت ولا زالت تحاول إنتاجه الولايات المتحدة ومعها الكيان الصهيوني، على حساب الهوية القومية والحضارية لأمتنا العربية.

إن الولايات المتحدة عندما تعتبر  انتفاضة شعبنا إرهاباً منظماً، وكذلك كل من يقاوم الاحتلال الصهيوني إرهابياً، والتهديد والوعيد لمن يؤوي الإرهاب أو يدافع عنه، فإنها تستهدف كل الدول والقوى العربية والإسلامية التي تدافع وتقاوم المحتل الصهيوني لفلسطين أو الجولان أو جنوب لبنان،أو تأخذ موقفاً يرفض الغطرسة الأمريكية ومفاهيمها حول الإرهاب-أو تدعو إلى مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة من أجل وضع وثيقة دولية حول الإرهاب ومقاومته،ومناقشة أسبابه ومعالجة تلك الأسباب على قاعدة من العدل والقانون الدولي فإنها تتهم كل من يدعو إلى ذلك بالإرهاب!!..

من هنا فإن الحرب على أفغانستان والتي وصفت من قبل المحللين السياسيين والعسكريين بأنها أولى حروب الألفية الثالثة، تحمل أهدافاً متعددة،لا تقتصر على أفغانستان،وقد بدأت ملامحها تتضح كما أسلفنا من خلال اللوائح التي أعدتها الإدارة الأمريكية على صعيد الأفراد والجماعات والأحزاب والحركات والدول تحت مسمى"  الحرب على الإرهاب".

إن الولايات المتحدة التي تتحدث اليوم عن ضرورة مكافحة الإرهاب هي من تمارسه فعلاً، بل إن سياستها الخارجية مع العديد من دول العالم تمثل أبشع صور إرهاب الدولة،وأنها العدو الأول للشعوب، لأنها توفر الغطاء للأطراف التي تمارس الإرهاب ضد شعوبها، حيث تكون مصالحها،ولعل سياستها المفضوحة في دعم إرهاب الكيان الصهيوني ضد شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية هو الدليل الأكبر على سياستها الإرهابية.

إن الولايات المتحدة لها مكيال واحد وليس مكيالين كما يردد البعض،هو مكيال مصالحها، فعندما تكون مصلحتها تدمير العراق فإنها تتسلح بالقرارات الدولية، وعندما تكون مصلحتها حماية الكيان الصهيوني فإنها تدمر كل القرارات الدولية، وفي أحيان أخرى تأخذ على عاتقها وبعيداً عن الأمم المتحدة ما تعتقده تحقيقاً لمصالحها كما جرى في البلقان، أو ما يجري حتى اليوم في شمال أو جنوب العراق.

وفي ضوء ما تقدم علينا أن نرى ما يجري من تطورات وأحداث في هذا السياق،فلو نحينا جانباً من إدراكنا مؤقتاً الهجوم الذي تعرضت له نيويورك وواشنطن في 11 ايلول هذا العام سنجد أن السيناريو الذي كان معداً له هدف واحد يتجسد في رسم خريطة العالم وفق مصالحها، والهادفة إلى السيطرة والهيمنة على المناطق التي لا زالت عصية على التطويع والتكيف، أو محاولة لجم توجهات بعض الأطراف الدولية التي تسعى إلى الإفلات من فلك السياسة الأمريكية.

ويتجلى الهدف الحقيقي للسياسة الأمريكية في السيطرة على هذا المثلث الاستراتيجي،والذي يحوي أكبر مخزون بشري في العالم، وأكبر مخزون نفطي في العالم، ويحوي باكستان الدولة الإسلامية النووية ذات الصلة عرقياً ودينياً مع طالبان وتنظيم القاعدة وجدل وضع اليد على هذا البلد من قبل القوى الإسلامية، وانعكاسات ذلك على الصعيد الإقليمي والدولي،كما يساعد الولايات المتحدة إذا تمكنت من تحقيق موطئ قدم لها هناك، على التغلغل السياسي والعسكري في جمهوريات آسيا الوسطى لمزيد من تطويق روسيا، ولمنع تطور أية علاقات روسية صينية،وصولاً إلى بسط هيمنتها حتى شمال إفريقيا.

إذن ما تقوم به الولايات المتحدة هو جزء من مخطط استراتيجي يستهدف المنطقة وليس مكافحة الإرهاب، وبالتالي فإنها تعمل على إخضاع جميع الحلقات المقاومة والمعترضة على سياستها،والعمل على تصفية قضية فلسطين لمصلحة وجود وأمن الكيان الصهيوني.

إن الانعكاسات التي تطال المنطقة وقضية شعبنا خطيرة جداً إن لم نحسن قراءة استهدافات الإدارة الأمريكية في هذه المرحلة،والتي تستهدف بداية إنهاء الانتفاضة،وتمزيق إنجازاتها وطنياً وقومياً،وإخراج الكيان الصهيوني من مأزقه التاريخي،وصولاً إلى الاستجابة لوعد بوش المخادع حول الدولة الفلسطينية‍ وأية دولة هذه؟..وأية وعود وعدنا وكانت سراباً، مطلوب مقابل هذا السراب منع المقاومة، ووقف الانتفاضة، وإثبات جدارة السلطة (بمنع الإرهاب) في ملاحقة المناضلين والمقاومين من أبناء شعبنا، وإننا نتساءل لمصلحة من هذه السياسات والإجراءات التي اتخذتها سلطة الحكم الذاتي ضد المناضلين الفلسطينيين،حيث شكلت هذه السياسات عاملاً مشجعاً للعدو كي يستمر في هجومه الفاشي ومجازره الوحشية من خلال قرارات السلطة باعتبار الأجنحة العسكرية للفصائل خارجة على القانون،وحملات الاعتقال والملاحقة بحق المناضلين والمجاهدين التي لا تخدم إلا العدو، بل تجعله يتغول أكثر في حرب الإبادة التي يشنها بكل وسائل القتال التي يملكها، وهذه القرارات تأتي استجابة للإملاءات الأمريكية باعتبار فصائل شعبنا المناضلة والمجاهدة إرهابية.

إن المطلوب اليوم على الصعيد الفلسطيني إيجاد قيادة وطنية تتوحد على برنامج وطني،تحمل برنامجاً سياسياً وكفاحياً واقتصادياً ملتزماً بمصلحة شعبنا وثوابت نضاله الوطني وتعمل على زج كل كفاءات و طاقات وإمكانات شعبنا لضمان استمرار الانتفاضة وتعزيز وتطوير العمل الوحدوي الميداني إلى السياسي من أجل مواصلة النضال حتى تحرير الضفة والقطاع والقدس،وتجسيد حق العودة لأهلنا إلى ديارهم وعدم التنازل عن أي حق من حقوقنا في فلسطين، لأننا لا نملك أي مشروعية بالتنازل عن حجر في حائط البراق،فكيف بمن يعلن صراحة تنازله عن الكثير الكثير في القدس وإبقاء المستوطنات وعن حق العودة؟.

إن شعبنا الفلسطيني الذي قدم التضحيات الغالية لن يسمح لأي طرف أن يبددها من أجل تقديم أوراق اعتماده لدى الكيان الصهيوني أو الولايات المتحدة.

إن حقنا في استمرار المقاومة دفاعاً عن أرضنا ومقدساتنا وكرامتنا حق مقدس، وأن المناضلين والمجاهدين ضد الكيان الصهيوني العنصري يستحقون منا التقدير ووضع الأوسمة على صدورهم وليس السجن والاعتقال.

نحن على ثقة أن شعبنا العظيم الذي تصدى منذ أكثر من قرن لهذا المشروع الإمبريالي-الصهيوني مدعوماً من أمته العربية والإسلامية سيواصل مسيرته الكفاحية والجهاد.

ولن ينتصر في النهاية إلا خيار شعبنا وأمتنا، خيار النضال والجهاد وحتى هزيمة هذا المشروع الصهيوني، كما هزمت كل حملات الغزاة لبلادنا.

عودة البيرونيةالى الارجنتين

توفيق المديني

فتحت الازمة الاجتماعية و السياسية التي عصفت بتلارجنتين الاسبوع الماضي الطريق لعو دة المعارضة البيرونية الى السلطة. و انتخب البيروني المحامي سا  رودريغيز, حاكم و لاية سان لويس,يوم 22ديسمبر الماضي     رئيسا للارجنتين من قبل الكونغرس بعد /11/ ساعة من المداولات و تم بمو جبه اقرار المشروع العام للحزب البيروني, و الذي يحدد مو عد الانتخابات الرئاسية المقبلة في الثالث من آذار و بأغلبية 169صوتا مقابل 138 صوتا. و حسب السيناريو  المعد من قبل القادة البيرو نيين, فان خليفة رودريغيز الذي سينتخب في آذار 2002 لن يكمل ولاية كاملة مدتها أربع سنو ات كما ينص على ذلك الدستور. وسوف يظل في رئاسة الدو لة الارجنتينية حتى ديسمبر 2003, المدة النظرية المحددة للرئيس المستقيل  فرناندو  دي الاروا.

  و كان الرئيس فرناندو  دي لروا  قد قدم استقالته يو م 20 ديسمبر الماضي بعد يو مين من    المظاهرات العنيفة التي عمت معظم المدن الأرجنتينية ،  اذ اقتحم المتظاهرون المحلات التجارية الكبيرة من أجل الحصول على حاجياتهم الغذائية . وبلغت الخسائر البشرية غير المسبوقة لهذه الاحتجاجات الواسعة 27قتيلا و مئات الجرحى و ألاف المعتقلين.و كانت الأرجنتين قد شهدت إضرابا عاما يوم 13 ديسمبر الماضي شل معظم المرافق الاقتصادية و الاجتماعية و الصحية في البلاد من قطاع النقل إلى المستشفيات ، مرورا بالمدارس و الجامعات . و رفع المضربون شعارا رئيسيا واحدا يتمثل في إحداث تغيير راديكالي في السياسة الاقتصادية للبلاد و رحيل وزير المالية دومينغو كافالو ، المتهم في نظر الشعب الأرجنتيني بأنه يطبق القرارات الاستبدادية لصندوق النقد الدولي . و بالفعل فقد قدم الوزير المعني استقالته أمام الضغط الشعبي. و لمافشل الرئيس الارجنتيني فرناندو دي لاروا في اقناع أحزاب المعارضة المسيطرةعلى البرلمان على تشكيل حكو مة و حدة وطنية لانقاذ وضع البلاد،  قدم بدوره استقالته من رئاسة الجمهو رية.

   لقد ترك فرناندو دي لاروا السلطة قبل سنتين من انتهاء مدته الرئاسيةعام 2003,و ترك البلاد في خرا ب كامل, علما أن الازمة الاقتصادية الارجنتينية ليست وليدة اليوم , بل ان ارهاصاتها بدأت تظهر  في فترة حكم الرئيس السابق كارلو س منعم(1989-1999). لكن فرناندو الذي و عد ناخبيه"ببناء أرجنتين أفضل"فشل في مسعاه هذا, فتعمقت الفوارق الطبقية بين الاغنياء و الفقراء في عهده, و انهارت الطبقة الوسطى  القوية جدا في الماضي , و التي حملته الى السلطة,و لم يحقق أي نجاح يذكر في محاربة الفساد.

    و تعتبر الازمة السياسية الحالية أخطر ازمة تشهدها الارجنتين منذ نهاية الديكتاتورية العسكرية, في الو قت الذي تو اجه فيه البلاد أسوا أزمة اقتصادية في تاريخها.و في أول مو قف للرئيس لرجنتيني المؤقت الذي أدى اليمين الدستو رية و باشر مهامه أعلن رودريغيز  أنه قرر التو قف  عن سداد أقساط الديو ن الاجنبية الهائلة بعد أشهر من المعاناة لتلبية التزامات الديو ن. و قال رودريغيز أن اعلانه هذا ليس رفضا للدين الاجنبي و انما هو الخطوة الاو لى من جانب حكو مة عقلانية للتعامل مع الدين الاجنبي بشكل سليم. كما أعلن عزمه طرح عملة جديدة جنبا الى جنب مع البيزو الارجنتيني الذي تحدد سعر صرفه بو اقع بيزوللدولار خلال السنو ات العشر الماضية.

     و كانت الارجنتين    دخلت  سنتها الرابعة من الأزمة الاقتصادية الخانقة ، و أصبحت عاجزة عن دفع ديونها الضخمة البالغة  155 مليار دولار . كما أن معدل البطالة اقترب من 30% ، و انتقل أكثر من 14 مليون أرجنتيني ( من أصل 37 مليون عدد سكان الأرجنتين ) إلىتحت مستوى خط الفقر ، منذ أن أصبحت البلاد في صراع مع الكساد الاقتصادي .

    و كان من المفترض ان يصو ت خلال الأسبوع الماضي البرلمان الأرجنتيني على موازنة 2002 " العجز صفر " بمقتضى الوعود المقدمة مقابل مساعدة بقيمة 40 مليار دولار ، ممنوحة من صندوق النقد الدولي منذ سنة . و كانت المفاوضات داخل الحكومة بين الأحزاب في السلطة مع مسئولي صندوق النقد الدولي قد فشلت . و بسبب عدم التوصل إلى حل ، فإن صندوق النقد الدولي سوف يوقف قروضه إلى الأرجنتين خلال هذا الأسبوع ، الأمر الذي يجعل البلاد متخلفة عن الدفع . و هنا تعم الكارثة .

    في آخر اجتماع عقده صندوق النقد الدولي برئاسة الألماني هورست كولير لبحث الوضع في الأرجنتين ، توصل المجتمعون إلى قناعة أن العجز في الموازنةصفر لم يتحقق ، و أن الانتاج شل بالكامل , وأصبحت خزينة الدو لة فارغة.  و الحال هذه لا يستطيع   صندوق النقد الدولي أن يوصي بدفع قسم من المبلغ المقرر لشهر ديسمبر بقيمة 264 ,1 مليار دولار في إطار برنامج ال40 مليار دولار . و قال الناطق الرسمي للمؤسسة المالية الدولية توماس داوسن " على السلطات الأرجنتينية أن تحقق أهداف البرنامج التي حددتها ، قبل أن تتسلم دولارا واحدا ."

    و لا يمكن للمرء أن يحصي كم هي عدد المرات التي طرح فيها صندوق النقد الدولي برامج إنقاذ مالي لهذه الحكومة أو تلك التي تواجه أزمة اقتصادية . و لا يمكن أن نحصي أيضا الدعم غير المشروط الذي قدمته هذه المؤسسة المالية الدولية لبعض رؤوساء الدول ، على الرغم من أنهم ليسوا فاضلين و لا ديمقراطين ، و لكن لأن هذا الدعم يخدم المصالح السياسية و التجارية و الاقتصادية للولايات المتحدة الأميركية فقط . إنه حال روسيا بوجه خاص ، و البرازيل، و باكستان اليوم . فبالنسبة لروسيا الأمر يتعلق بمساعدة هذا البلد الذي كان في الماضي قوة عظمى على تعزيزديمقراطيته الناشئة ، أما البرازيل ، فقد تدخل صندوق النقد الدولي بين الدوريتين في الانتخابات الرئاسية التي جرت في أكتوبر 1998 ،لمساندة و إعادة انتخاب فرناندو هونريك كاردوسو الذي تتماشى خياراته الاقتصادية مع متطلبات صندوق النقد الدولي ، بعكس منافسه لويس أنا سيولولا من حزب العمال الذي يمثل اليسار . و في حال باكستان لعب الوضع الجيوبوليتيكي لهذا البلد في الأزمة الحالية دورا رئيسا في تبرير تدفق مليارات الدولارات من القروض و المساعدات و التسهيلات التجارية إلى إسلام آباد .

    الأرجنتين لا تمتلك أي من هذه الحجج التي يمكن اعتمادها . و مع ذلك اعتمدت الأرجنتين منذ عشر سنوات مضت ، التكافؤ بين سعري الدولار و البيزو ( العملة الوطنية ) من أجل وضع حد للتضخم الجامح ,الذي بلغ 3000% في عام 1989, حين أجبر الرئيس الارجنتيني السابق راؤول ألفو نسيني على الاستقالة, لكي تستفيد من مرحلة من النمولاكثر من 5% طيلة 1990-1996.     و بأمر من واشنطن قامت بيونس ايرس بخصخصة شركات القطاع العام . و بما أن البلدان المجاورة خفضت عملاتها الوطنية، و الدولار في ارتفاع مستمر ،  فقد انهارت المنافسة الأرجنتينية . و قاد استمرار التكافؤ بين الدولار و البيزو إلى إجبار البنك المركزي الأرجنتيني إلى رفع معدلات الفائدة . و كانت النتيجة أن أصبح النمو الاقتصادي سلبيا، و سقطت بذلك الأرجنتين في دوامة اللولب : الركود الاقتصادي يعمق العجوزات في الموازنة ، و المستثمرون الأجانب فقدوا الثقة ، و المطلوب زيادة أكثر في معدلات الفائدة ، و لجأت الحكومة إلى تخفيض النفقات العامة ، الأمر الذي قاد إلى تعمق الأزمة الاقتصادية .

    و لما كانت الحكومة الأرجنتينية لا تملك إمكانيات اللجوء إلى تخفيض عملتها الوطنية ، فإنها أصبحت تطلب بإلحاح رؤوس الأموال الأجنبية من أجل تحقيق التوازن في ميزان المدفوعات . و هذا ما قاد إلى تفاقم مديونية الأرجنتين الخارجية التي انتقلت من 62 مليار دو لار الى أكثر من 150  مليار دولار ، أي  نصف الناتج الاخلي الخام, و إلى طلبها الدعم المالي الضروري من صندوق النقد الدولي من أجل تسديد ملياري دولار كدين انتهى اجله يوم 19 ديسمبر . و بما أن الحكومة الأرجنتينية  عجزت عن دفع هذا الدين ، فقد أعلن هذا البلد إفلاسه المالي أمام المجتمع الدولي .

    و يعتبر هذا الأسبوع حاسما لسكان الأرجنتين أولا ، و لأميركا اللاتينية ، و اتحادها التجاري و روابطها مع الولايات المتحدة و الدولار ثانيا ، و أخيرا لبقية العالم . لأن دور صندوق النقد الدولي في الحالة الأرجنتينية كان يتابع بدقة من قبل واشنطن ، التي أضحت حساسة جدا لمبادئ تقديم المساعدات الدولية . فمنذ أن وصل الرجل الثاني إلى صندوق النقد الدولي في سبتمبر الماضي ، الأميركي الجمهوري و الليبرالي المتطرف ان كروجير ، حصلت أولى تمظهر التحول في موقف الولايات المتحدة ( التي تعتبر المساهمة الأولى في صندوق النقد الدولي ) تجاه البلد الذي يجازف بتبذير أموال المساهم الأميركي .

    و فضلا عن ذلك فإن الأرجنتين اليوم لا تمثل أولوية للأميركيين ، خصوصا أن إفلاسها المالي لا يقود بالضرورة إلى إحداث سلسلة من الأزمات ، التي يمكن أن تضرب البلدان الناشئة الأخرى ، التي لم تعد تطلب كثيرا المساعدات المالية الخارجية منذ الأزمة الآسيوية عام 1997 .

     إن الإفلاس الأرجنتيني الذي حدث بعد أحداث 19 ديسمبر يمثل نهاية "المعجزة  الارجنتينية"لعقد التسعينات , التي حصلت على أرباح كبيرة من  الشركات المتعددة الجنسية , و سمحت للعديد من المو ظفين الارجنتنيين الكبار من تراكم ثرو ات فاحشة بسبب انتشار الرشو ة و الفساد, و جعلت الاقتصا د الارجنتيني خاضعا للمضاربة, و تابعا للخارج. كما أن هذا الافلاس يعتبر إخفاقا كبيرا لصندوق النقد الدولي الذي كان يتابع بدقة متناهية حسابات الأرجنتين المالية منذ عشر سنوات ، إذ أظهر هذا الصندوق عجزا واضحا في ضمان التوازن المالي لهذا البلد ، و لكل البلدان في عالم الجنوب التي تمتثل لأوامره و خططه المتعلقة بالاصلاح الهيكلي لاقتصاداتها.